للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - ٨] قال: خشيت أن يدركني العذاب، فأسلمَ. (١) وفي حديثٍ آخر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سمع سورة طه فأسلمَ (٢)، وقد رُوي أن قوله عز وجل في أول حم السجدة - أي سورة فصلت - إلى قوله: {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [فصلت: ٤] نزلت في شيبة، وعتبة ابني ربيعة، وأبي سفيان بن حرب، وأبى جهل، وذكر أنهم بعثوا هم وغيرهم من وجوه قريش بعتبة بن ربيعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليكلمه، وكان حسن الحديث، عجيب البيان، بليغ الكلام، وأرادوا أن يأتيهم بما عنده، فقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - سورة حم السجدة من أولها حتى انتهى إلى قوله: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (١٣)} [فصلت: ١٣]؛ فوثب مخافة العذاب فاستحكوه ما سمع، فذكر أنه لم يفهم منه كلمة واحدة، ولا اهتدى لجوابه، ولو كان ذلك من جنس كلامهم، لم يخف عليه وجه الاحتجاج والرد، فقال له عثمان بن مظعون - رضي الله عنه -: لتعلموا أنه من عند الله إذا لم يهتد لجوابه. (٣)

وأبْيَنُ من ذلك قول الله عز وجل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (٦)} [التوبة: ٦]؛ فجعل سماعه حجة عليه بنفسه فدل على أن فيهم من يكون سماعه إياه حجة عليه.

فإن قيل: لو كان كذلك على ما قلتم، لوجب أن يكون حال الفصحاء الذين كانوا في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - على طريقة واحدة في إسلامهم عند سماعه؟ قيل له لا يجب ذلك؛ لأن صوارفهم كانت كثيرة، وبيان ذلك في الوجه السابع.


(١) رواه البخاري (٢٨٨٥)، ومسلم (١٠٦٣) بمعناه: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَ جَاءَ في أُسَارَى بَدْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، واللفظ للبخاري.
(٢) رواه أحمد في فضائل الصحابة ١/ ٢٧٩، سيرة ابن كثير ٢/ ٣٣، وسيرة ابن إسحاق ١/ ١٦٠.
(٣) وفيه قَالُوا: وَيْلَكَ يُكَلِّمُكَ رَجُلٌ بِالْعَرَبِيَّةِ لَا تَدْرِي مَاذَا قَالَ؟ قَالَ: لَا وَالله مَا فَهِمْتُ شَيْئًا مِمَّا قَالَ غَيْرَ ذِكْرِ الصَّاعِقَةِ.
أخرجه ابن أبي شيبة (٣٧٧١٥)، وعبد بن حميد (١١٢٣)، وأبو يعلى (١٨١٨)، والحاكم (٣٠٠٢) وصححه، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ٦/ ١٦: وفيه الأجلح الكندي وثقه ابن معين وغيره، وضعفه النسائي وغيره، وبقية رجاله ثقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>