ومعنى هذا أن القرآن الكريم جاء بهدايات تامة كاملة تفي بحاجات البشر في كل عصر ومصر، وفاء لا تظفر به في أي تشريع، ولا في أي دين آخر، ويتجلى لك هذا إذا استعرضت المقاصد النبيلة التي رمى إليها القرآن في هدايته، والتي نعرض عليك من تفاصيلها ما يأتي:
أولًا: إصلاح العقائد عن طريق إرشاد الخلق إلى حقائق المبدأ والمعاد، وما بينهما تحت عنوان الإيمان بالله تعالى وملائكته ورسله واليوم الآخر.
ثانيًا: إصلاح العبادات عن طريق إرشاد الخلق إلى ما يزكي النفوس، ويغذي الأرواح ويقوم الإرادة، ويفيد الفرد والمجموع منها.
ثالثًا: إصلاح الأخلاق: عن طريق إرشاد الخلق إلى فضائلهم، وتنفيرهم من رذائلها في قصد واعتدال، وعند حدٍّ وسط، لا إفراط فيه ولا تفريط.
رابعًا: إصلاح الاجتماع: عن طريق إرشاد الخلق إلى توحيد صفوفهم، ومحو العصبيات، وإزالة الفوارق التي تباعد بينهم. وذلك بإشعارهم أنهم جنس واحد، من نفس واحدة، ومن عائلة واحدة، أبوهم آدم، وأمهم حواء، وأنه لا فضل لشعب على شعب، ولا لأحد على أحد إلا بالتقوى؛ وأنهم متساوون أمام الله، ودينه، وتشريعه. متكافئون في الأفضلية، وفي الحقوق، والتبعات من غير استثناءات، ولا امتيازات. وأن الإسلام عقد إخاءً بينهم أقوى من إخاء النسب والعصب. وأن لسانهم العام هو لسان هذا الدين، ولسان كتابه لغة العرب. وأنهم أمة واحدة، يؤلف بينها المبدأ، ولا تفرقها الحدود الإقليمية، ولا الفواصل السياسية والوضعية {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢)} [المؤمنون: ٥٢].
خامسًا: إصلاح السياسة أو الحكم الدولي: عن طريق تقرير العدل المطلق، والمساواة بين الناس، ومراعاة الفضائل في الأحكام والمعاملات؛ من الحق والعدل والوفاء بالعهود والرحمة