المظهر الثاني: أن أئمة الكفر منهم كانوا يجتهدون في صد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قراءته في المسجد الحرام وفي مجامع العرب وأسواقهم، وكذلك كانوا يمنعون المسلمين من إظهاره، حتى لقد هالهم من أبي بكر أن يصلي به في فناء داره، وذلك لأن الأولاد والنساء كانوا يجتمعون عليه يستمتعون بلذة هذا الحديث ويتأثرون به ويهتزون له! .
المظهر الثالث: أنهم ذعروا ذعرا شديدا من قوة تأثيره ونفوذه إلى النفوس على رغم صدهم عنه واضطهادهم لمن أذعن له فتواصوا على ألا يسمعوه، وتعاقدوا على ان يلغوا فيه إذا سمعوه:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}[فصلت: ٢٦].
المظهر الرابع: أن بعض شجعانهم وصناديدهم، كان الواحد منهم يحمله طغيانه وكفره وتحمسه لموروثه، على أن يخرج من بيته شاهرا سيفه، معلنا غدره، ناويا القضاء على دعوة القرآن ومن جاء به، فلا يلبث حين تركه لمحة من لمحات العناية، وينصت إلى صوت القرآن في سورة أو آية، أن يذل للحق ويخشع، ويؤمن بالله ورسوله وكتابه ويخضع. وإن أردت شاهدا على هذا فاستعرض قصة إسلام عمر وهي مشهورة. أو فتأمل كيف أسلم سعد بن معاذ سيد قبيلة الأوس هو وابن أخيه أسيد بن حضير - رضي الله عنهم - وإليك كلمة قصيرة عن إسلام سعد وأسيد فيها نفع كبير:
تروي كتب السيرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في مكة قبل الهجرة، أرسل مع أهل المدينة الذين جاءوا وبايعوه بيعة العقبة، مبعوثين جليلين يعلمانهم الإسلام وينشرانه في المدينة هما: مصعب بن عمير وعبد الله بن أم مكتوم - رضي الله عنهما - وقد نجح هذان في مهمتهما أكثر نجاح، وأحدثا في المدينة ثورة فكرية أو حركة تبشيرية جزع لها سعد بن معاذ سيد قبيلة الأوس، حتى قال لابن أخيه أسيد بن حضير: ألا تذهب إلى هذين الرجلين اللذين أتيا يسفهان ضعفاءنا فتزجرهما. فلما انتهى إليهما أسيد قال لهما: ما جاء بكما تسفهان ضعفاءنا؟ ثم هددهما، وقال: اعتزلا إن كانت لكما في أنفسكما حاجة - رضي الله عن مصعب - فقد تغاضى عن هذا التهديد، وقال لأسيد في وقار المؤمن وثباته: أوَ تجلس فتسمع؟ فإن رضيت أمرًا قبلته، وإن