للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد استدلوا على مذهبهم بأدلة، منها:

أولًا: أنه لو كان ترتيب السور بتوقيف من النبي - صلى الله عليه وسلم - لظهر وفشا ونقل مثله، وفي العلم بعدم ذلك النقل دليلٌ على أنه لم يكن منه - صلى الله عليه وسلم - توقيف فيه.

ثانيًا: أن مصاحف الصحابة كانت مختلفة في ترتيب السور قبل جمع القرآن في عهد عثمان، ولو كان الترتيب توقيفيًّا منقولًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ساغ لهم أن يهملوه ويتجاوزوه. (١)

فمن ذلك أن مصحف أُبَيِّ بن كعب قدمت فيه النساء على آل عمران، ثم تلت آل عمران سورة الأنعام، ثم الأعراف ثم المائدة. . .، ومصحف ابن مسعود كان مبدوءا بالبقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، ثم الأعراف، ثم الأنعام. . . الخ ما فيهما من خلاف مصاحفنا اليوم، وروي أن مصحف علي كان مرتبًا على النزول، فأوله سورة العلق، ثم المدثر، ثم ق، ثم المزمل ثم تبت، ثم التكوير، وهكذا إلى آخر المكي والمدني. (٢)

ثالثًا: حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى سُورَةِ الأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي، وَإِلَى سُورَةِ بَرَاءةٌ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ، فَمَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ وَهُوَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ مِنَ السُّوَرِ ذَوَاتِ الْعَدَدِ، فَكَانَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ دَعَا بَعْضَ مَنْ يَكْتُبُ لَهُ فَيَقُولُ: ضَعُوا هَذِهِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَإِذَا أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ الآيَاتُ قَالَ: ضَعُوا هَذِهِ الآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَإِذَا أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ الآيَةُ قَالَ: ضَعُوا هَذِهِ الآيَةَ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَكَانَتْ سُورَةُ الأَنْفَالِ مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ سُورَةُ بَرَاءَةٌ مِنْ أَوَاخِرِ مَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ: فَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهًا بِقِصَّتِهَا، فَظَنَنَّا أَنَّهَا مِنْهَا، وَقُبِضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَوَضَعْتُهَا فِي


(١) مناهل العرفان (١/ ٢٨٧). الإتقان في علوم القرآن (١/ ١٧٦)
(٢) الإتقان في علوم القرآن (١/ ١٧٦)، والبرهان في علوم القرآن (١/ ٢٥٩)، ومناهل العرفان (١/ ٢٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>