والوحي: أهم عنصر يميز شخصية النبي أو الرسول، وأكبر الدعائم التي ترتكز عليها حقيقة النبوة، وقد دلت نصوص الكتاب الكريم، والسنة الشريفة، والسيرة العطرة على عصمة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، في تبليغ وحي الله تعالى إلى الأمة، وانعقد إجماع علماء الأمة على ذلك.
إلا أنه يوجد في كل أمة، وفي كل زمان ومكان، من يطعن في عصمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تبليغ وحى الله تعالى؛ من أعداء الإسلام من المستشرقين والمبشرين، ومن أذيالهم المتسترين بعباءة القرآن الكريم ممن يسمون أنفسهم (القرآنيين).
أما المستشرقون: فشبهاتهم حول الوحي الإلهي قائمة على إنكار نبوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذ لم تكن لدى معظمهم القناعة العلمية، ولا الإيمان الراسخ بهذه النبوة، فنفذوا بشيء من العداء لهذه الشخصية النبوية الكريمة، ودفعوا دفعًا مقصودًا للإيقاع بنبوته، وحملوا حملًا مغرضًا لتجريده من صفاتها، وعلى رأسها صفة العصمة.
فزعموا تارة أن الوحي الذي جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر ذاتي من داخل نفسه الصافية، وعقله العبقري. وتارة ثانية، يزعمون أنه عبارة عن أمراض عقلية ونفسية، وهم بذلك يتناقضون مع أنفسهم؛ إذ كيف يجتمع الضدان، صفاء النفس، والعقل العبقري، مع الإصابة بالأمراض النفسية والعقلية؟ ! وتارة ثالثة، يزعمون أن الوحي الذي جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقتبس من اليهودية والنصرانية، أو أنه وحي شيطاني بناءًا على فرية الغرانيق، وهذه الطعون في الوحي الإلهي، هي رأي معظم المستشرقين الذين يدرسون ظاهرة الوحي والنبوة، ويخلطون عن عمد بين النبوة والعبقرية، ومعاني البطولة، ومعاني الرسالة، إذا استثنينا أولئك المستشرقين الذين ينحون بتفكيرهم نحو المادية والعلمانية، وينكرون الوحي كله جملة وتفصيلًا.
إن المستشرقين هنا فيما يزعمون كالببغاوات يرددون شبهة إخوانهم أعداء الأنبياء والرسل الذين جعلوا ما يحصل لأنبياء الله مثل الذي يحصل للمجانين والسحرة، كما قال تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (٥٣)} وهي عين الفرية التي رمت بها قريش رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبرأه الله مما قالوا بقوله سبحانه: