للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال السعدي: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ} محمد - صلى الله عليه وسلم - {مِنْ جِنَّةٍ} أي: أَوَلَمْ يُعْمِلُوا أفكارهم، وينظروا: هل في صاحبهم الذي يعرفونه ولا يخفي عليهم من حاله شيء، هل هو مجنون؟ فلينظروا في أخلاقه وهديه، ودلِّه وصفاته، وينظروا في ما دعا إليه، فلا يجدون فيه من الصفات إلا أكملها، ولا من الأخلاق إلا أتمها، ولا من العقل والرأي إلا ما فاق به العالمين، ولا يدعو إلا لكل خير، ولا ينهى إلا عن كل شر. (١)

ولهذا قال: {إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي: يدعو الخلق إلى ما ينجيهم من العذاب، ويحصل لهم الثواب.

لقد كان - صلى الله عليه وسلم - أكمل الرجال عقلًا، وأشدهم فطنة، وأصوبهم قولًا، وأحكمهم فعلًا. وقد تحدى الله المشركين الذين عرفوه وعايشوه وخبروا حاله أن يثبتوا عليه جنونًا أو اختلال عقل، وذلك في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (٤٦)} [سبأ: ٤٦] ففي قوله: {مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} أي جنون، مستأنف منبه لهم على أن ما عرفوه من رجاحة عقله كاف في ترجيح صدقه؛ والتعبير عنه - صلى الله عليه وسلم - بـ (صاحبهم) للإيماء، أن حاله معروف مشهور بينهم؛ لأنه نشأ بين أظهرهم معروفًا بقوة العقل، ورزانة الحلم، وسداد القول والفعل - صلى الله عليه وسلم -. (٢)

فالآية الكريمة تقول لهم: ها هو ذا تاريخ محمد - صلى الله عليه وسلم - وأحاديثه، وسننه، وآدابه، وأخلاقه، وشريعته، تحت أنظاركم فانظروا وتفكروا من غير هوى ولا عصبية في جوانب ذلك كله، واستخرجوا منه - ولن تستطيعوا - ما يقيم عوج دعواكم، وإفك أباطيلكم، ولكنكم علمتم أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - معصوم بعصمة الله - عز وجل - الذي أرسله ليقوض بنيان الكفر والنفاق. (٣)


(١) تفسير السعدي (٦٨٣).
(٢) محاسن التأويل للقاسمي ١٤/ ٣٤.
(٣) الرد على شبهات عصمة النبي (شبهة أن الوحي عبارة عن أمراض نفسية وعقلية ١/ ٤٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>