للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وردَّ عليهم العلامة محمد رشيد رضا: لولا أن في القراء بعض العوام، لما كنتَ في حاجة إلى التنبيه على أن هذه القصيدة يستحيل أن تكون لعربي، فهي في ركاكة أسلوبها، وضعف موضوعها بريئة من شعر العرب فكيف يصح أن تكون لحامل لوائهم، وأبلغ بلغائهم؟ !

فما معنى: "دنت الساعة" في البيت؟ إن كان المراد بالساعة يوم القيامة، فالجاهليون لم يكونوا يؤمنوا بالمعاد، فضلًا عن أن يذكروه في أشعارهم أو يضعوه في قصائدهم، وإن كان المراد ساعة لقاء الحبيبة كما قد يُفهم، فما المراد حينئذ بقوله (وانشق القمر)؟ فإن كان المراد انشقاق القمر فعلًا، فهذا كذب، إذ لم ينشق القمر في عهدهم أبدًا؛ بل انشق على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في القرآن والروايات، وإن كان المراد بالقمر ذكر المحبوبة، فليس من عادة العرب التعبير عن جمال المحبوبة بانشقاق القمر، وما وجه الحسن في انشقاقه ليشبه به المحبوبة، وقد دأب العرب على تشبيه حسن النساء بالبدر حين اكتماله، لا بانشقاق القمر، فأي ركاكة في أسلوب هذا البيت؟ !

هذا التفسير العقلي المبسط يجعلنا نفهم أن قوله: (دنت الساعة وانشق القمر) قد ألصق إلصاقا بالقصيدة فأدى إلى معنًى مستشنع يدلُّ على أنه غريب عن بقية الأبيات، ... ، تماما الحال بالنسبة لبقية الأبيات المشبهة بآيات القرآن.

والبيت الذي فيه:

مَرَّ يوم العيد بي في زينة ... فرماني فتعاطى فعقر

فأَيُّ عيد كان عند الجاهلية يمر فيه الغلمان متزينين؟ وأليس يوم العيد احتفالًا إسلاميًا؟ فكيف يكون هذا كلام امرئ القيس الجاهلي وَيَذْكُرُ فيه يوم العيد وهو من مات قبل مولد نبينا - صلى الله عليه وسلم - بثلاثين عامًا أو أكثر، فهل هذا الشعر جاهليًا؟

وهل يسمح لك ذوقك بأن تصدق أن امرأ القيس يقول ذلك؟ كما يظهر من ركاكة الأسلوب، قوله: (فتعاطى) إذ جاء بعد قوله: (فرماني) فإذا كان قد رماه، فأي شيء تعاطاه، والتعاطي هو تناول الشيء، فلماذا يتعاطى شيئا بعد أن رماه! وكان المفترض أن

<<  <  ج: ص:  >  >>