للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ حِينَ لَقِيَهُ بِبَلْدَحَ، فَقُدّمَتْ إلَيْهِ السّفْرَةُ أَنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَكَلَ مِنْهَا، وَإِنّمَا فِي الْحَدِيثِ أَنّ زيدًا قَالَ حِينَ قُدّمَتْ السّفْرَةُ: لَا آكُلُ مِمّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ الله عَلَيْهِ.

ثانيهما: أَنّ زَيْدًا إنّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِرَأْيِ رَآهُ لَا بِشِرْعِ مُتَقَدّمٍ، وَإِنّمَا تَقَدّمَ شَرْعُ إبْرَاهِيمَ بِتَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ لَا بِتَحْرِيمِ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ الله، وَإِنّمَا نَزَلَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ وَبَعْضُ الْأُصُولِيّينَ يَقُولُونَ: الْأَشْيَاءُ قَبْلَ وُرُودِ الشّرْعِ عَلَى الْإِبَاحَةِ، فَإِنْ قُلْنَا بِهَذَا وَقُلْنَا: إنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَأْكُلُ مِمّا ذُبِحَ عَلَى النّصُبِ فَإِنّمَا فَعَلَ أَمْرًا مُبَاحًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَأْكُلُ مِنْهَا فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ قُلْنَا أَيْضًا: إنّهَا لَيْسَتْ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَلَا عَلَى التّحْرِيمِ وَهُوَ الصّحِيحُ فَالذّبَائِحُ خَاصّةٌ لَهَا أَصلٌ فِي تَحْلِيلِ الشّرْعِ المُتَقَدّمِ كَالشّاةِ وَالْبَعِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمّا أَحَلّهُ الله تَعَالَى فِي دِينِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، وَلَمْ يَقْدَحْ فِي ذَلِكَ التّحْلِيلِ المُتَقَدّمِ مَا ابْتَدَعُوهُ حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ، وَأَنْزَلَ الله سُبْحَانَهُ: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: ١٢١]، أَلا تَرَى كَيْفَ بَقِيَتْ ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ عِنْدَنَا عَلَى أَصْلِ التّحْلِيلِ بِالشّرْعِ المُتَقَدّمِ وَلَمْ يَقْدَحْ فِي التّحْلِيلِ مَا أَحْدَثُوهُ مِنْ الْكُفْرِ وَعِبَادَةِ الصّلْبَانِ، فَكَذَلِكَ كَانَ مَا ذَبَحَهُ أَهْلُ الْأَوْثَانِ مُحَلا بِالشّرْعِ الْمُتَقَدّمِ حَتّى خَصّهُ الْقُرْآنُ بِالتّحْرِيمِ (١).

فهذا دليل واضح أن زيد بن عمرو ترك ورقة في الشام يتعلم النصرانية، وعندما رجع إلى مكة كان النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - شابًا، بل قد تزوج النبي من خديجة؛ لأن زيد بن حارثة قد وهبته خديجة لمحمد بعد زواجهما، فما أتى ورقة إلى مكة إلا بعد زواج محمد - صلى الله عليه وسلم - من خديجة وقرب بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - للنبوة.

ومن الإرهاصات التي أتت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن ورقة مشرفًا عليها مثل:

١ - شق الصدر في الصغر.

٢ - تسليم الحجر والشجر على محمد - صلى الله عليه وسلم -.


(١) الروض الأنف ١/ ٣٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>