للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير: ولم يكن فيهم - أي: في الأربعة الباحثين عن الحقيقة - أعدل أمرًا وأعدل ثباتًا من زيد بن عمرو بن نفيل، اعتزل الأوثان وفارق الأديان من اليهود والنصارى والملل كلها إلا دين الحنيفية دين إبراهيم، يوحد الله ويخلع من دونه، ولا يأكل ذبائح قومه فأذاهم بالفراق لما هُم فيه (١).

فتنصروا كلهم؛ لأنهم وجدوه أقرب الأديان إذ ذاك إلى الحق، إلا زيد بن عمرو بن نفيل؛ فإنه رأي فيه دخلًا وتخبيطًا وتبديلًا وتحريفًا وتأويلًا، فأبت فطرته الدخول فيه أيضًا، وبشره الأحبار والرهبان بوجود نبي قد أزف زمانه واقترب أوانه، فرجع يتطلب ذلك، واستمر على فطرته وتوحيده، لكن اخترمته المنية قبل البعثة المحمدية (٢).

وهذا يدل على أن ابن كثير احتج بهذه الرواية الموجودة في سيرة ابن إسحاق، لذلك نقول: إننا لو افترضنا أن ورقة اتبع النصرانية التي ليس بها شرك، ولكن اتباع زيد بن عمرو للحنفية كان أرشد، وهذا لإقرار ورقة فقد قال: رشدت وأنعمت ابن عمرو، وذلك بعد مقتل زيد بن عمرو، بل أشار ورقة أن زيدًا كان على العقيدة الصحيحة من توحيد الله وترك الشرك بجميع أنواعه، فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ يَبْكِيهِ:

رَشَدْت وَأنعَمْت ابْنَ عَمْرٍو وَإِنّمَا ... تَجَنّبْت تَنّورًا مِنْ النّارِ حَامِيَا

بِدِينِك رَبّا لَيْسَ رَبّ كَمِثْلِهِ ... وَتَرْكِك أَوْثَانَ الطّوَاغِي كَمَا هِيَا

وَإِدْرَاكِك الدّينَ الّذِي قَدْ طَلَبْته ... وَلَمْ تَكُ عَنْ تَوْحِيدِ رَبّك سَاهِيَا

فَأَصْبَحْت فِي دَارٍ كَرِيمٍ مُقَامُهَا ... تُعَلّلُ فِيهَا بِالْكَرَامَةِ لَاهِيَا

تُلَاقِي خَلِيلَ الله فِيهَا، وَلَمْ تَكُنْ ... مِنْ النّاسِ جَبّارًا إلَى النّارِ هَاوِيَا

وَقَدْ تُدْرِكُ الْإِنْسَانَ رَحْمَةُ رَبّهِ ... وَلَوْ كَانَ تَحْتَ الْأَرْضِ سَبْعِينَ وَادِيَا (٣)

فكان الذي ينبغي على ورقة أن يتبع ما سار عليه زيد للتمسك بالحنفية وذلك لعدة أمور:


(١) السيرة النبوية ١/ ١٥٥.
(٢) السيرة النبوية ١/ ٣٩٦.
(٣) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>