للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي مقدمتها تاريخ الطبري.

ذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في رواية في تاريخه: أن خديجة طمأنت زوجها. ثم قال: فأتت خديجة ورقة بن نوفل فأخبرته الخبر، فقال: لئن كنت صادقة إن زوجك لنبي، وليلقين من أمته شدة، ولئن أدركته لأؤمنن به (١).

وروى الطبري في رواية أخرى طويلة: أن خديجة بعد أن طمأنت زوجها (انطلقت إلى ورقة ابن نوفل بن أسد؛ وهو ابن عمها، وكان ورقة قد تنصر، وقرأ الكتب، وسمع من أهل التوراة والإنجيل، فأخبرته بما أخبرها به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى وسمع، فقال ورقة: قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر - يعني بالناموس: جبريل - عليه السلام - الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له فليثبت، فرجعت خديجة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرته بقول ورقة فسهَّل ذلك عليه بعض ما هو فيه من الهم، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جواره وانصرف صنع كما كان يصنع وبدأ بالكعبة فطاف بها، فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالبيت فقال: يابن أخي، أخبرني بما رأيت أو سمعت، فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له ورقة: والذي نفسي بيده، إنك لنبي هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء إلى موسى، ولتكذبنه ولتؤذينه ولتخرجنه ولتقاتلنه، ولئن أنا أدركت ذلك لأنصرن الله نصرًا يعلمه، ثم أدنى رأسه فقبل يأفوخه *، ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى منزله، وقد زاده ذلك من قول ورقة ثباتًا، وخفف عنه بعض ما كان فيه من الهم (٢).

ونصت رواية ابن سعد أن خديجة ذهبت لوحدها إلى ورقة بن نوفل، فأعلن إيمانه ويقينه بأن هذا الحدث هو وحي الله، وتعهد بنصرة الرسول وتأييده، فلم يترك بذلك مجالًا لتوهم الأخذ عنه، وليس امرؤ لديه علم بدين الله تعالى وهو على حافة القبر يستسيغ أن


(١) تاريخ الطبري (١/ ٥٦٢).
* اليأْفوخ حيث التقى عظم مقدَّم الرأْس وعظم مؤخره؛ لسان العرب لابن منظور (أفخ). واليَأفوْخُ: مقَدَّمُ الرَّأس؛ المحيط في اللغة للصاحب بن عباد (أفخ).
(٢) تاريخ الطبري ١/ ٥٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>