للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (٢٤)} (الإسراء: ٢٤)، فالأب أيضًا مشترك في التعب والوهن، ولهذا جمع الله بينهما في تعب التربية في تلك الآية، فلزم بر كليهما حيث يتوليان حفظه وإكمال نشأته، ولهذا إذا تعارض حقها دون القدرة على الجمع بينهما حيث جمعها الله تعالى في الوصية ثم خصص الأم بذكر درجة الحمل ودرجة الرضاعة، ودرجة الولادة قبل ذلك، فتحصل للأم ثلاث مراتب، وللأب واحدة، ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين سأله رجل درجة أحق الناس بحسن صحبته قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك) (١). وفيه تأكيد للبر بالأم خشية التفريط فيه؛ إذ قد يقع التفريط في الوفاء الواجب للأم من الابن، اعتمادا على ما يلاقيه من اللين منها؛ بخلاف جانب الأب فإنه قوي ولأبنائه خوف من شدته (٢). وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات" (٣). وهو من تخصيص الشيء بالذكر إظهارًا لعظيم موقعه (٤).

وذهب العلماء إلى أن عقوق الوالدين مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما، كما أن برهما موافقتهما على أغراضهما، وعلى هذا إذا أمرا أو أحدهما ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه، إذا لم يكن ذلك الأمر معصية، وإن كان ذلك المأمور به من قبيل المباح في أصله، وكذلك إذا كان من قبيل المندوب، وقد ذهب بعض الناس إلى أن أمرهما بالمباح يصير في حق الولد مندوبا إليه، وأمرهما بالمندوب يزيده تأكيدا في ندبيته (٥).

وكل هذا بشرط ألا يكون المأمور به معصية (٦). ومن البر بهما عدم تعرضهما لأي أذى وخاصة الأم، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن مِنْ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ قَالوا يَا رَسُولَ الله: وَهَلْ


(١) البخاري (٥٩٧١)، مسلم (٢٥٤٨).
(٢) تفسير ابن عطية (١٠/ ٢٧٦)، التحرير التنوير (٢١/ ١٥٨).
(٣) البخاري (٥٩٧٥).
(٤) فتح الباري (١٠/ ٤٥٧).
(٥) القرطبي (٥/ ٣٨٥٤).
(٦) حقوق الإنسان ليسري السيد محمد (٢٤١: ٢٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>