٣ - إذا جرى الاقتباس على هذا النهج صدقت دعوى من يقول إن فلانًا اقتبس منى كذا. أما إذا تشابه ما كتبه اثنان، أحدهما سابق والثاني لاحق، واختلف ما كتبه الثاني عما كتبه الأول مثل:
أ - أن تكون الفكرة عند الثاني أبسط وأحكم ووجدنا فيها ما لم نجده عند الأول.
ب - أو أن يصحح الثاني أخطاء وردت عند الأول، أو يعرض الوقائع عرضًا يختلف عن سابقه.
في هذه الحال لا تصدق دعوى من يقول إن فلانًا قد اقتبس مني كذا.
ورَدُّ هذه الدعوى مقبول من المدعى عليه؛ لأن المقتبِس (اتهامًا) لما لم يدر في فلك المقتبَس منه (فرضًا) بل زاد عليه وخالفه فيما ذكر من وقائع؛ فإن معنى ذلك أن الثاني تخطى ما كتبه الأول حتى وصل إلى مصدر الوقائع نفسها واستقى منها ما استقى. فهو إذن ليس مقتبِسًا وإنما مؤسس حقائق تلقاها من مصدرها الأصيل ولم ينقلها عن ناقل أو وسيط.
٤ - وسوف نطبق هذه الأسس التي تحكم عملية الاقتباس على ما ادعاه القوم هنا وننظر:
هل القرآن عندما اقتبس كما يدعون من التوراة كان خاضعًا لشرطي عملية الاقتباس وهما: نقل الفكرة كلها، أو الاقتصار على نقل جزء منها فيكون بذلك دائرًا في فلك التوراة، وتصدق حينئذ دعوى القوم بأن القرآن (معظمه) مقتبس من التوراة؟
أم أن القرآن لم يقف عند حدود ما ذكرته التوراة في مواضع التشابه بينهما؟ بل:
أ - عرض الوقائع عرضًا يختلف عن عرض التوراة لها.
ب - أضاف جديدًا لم تعرفه التوراة في المواضع المشتركة بينهما.
ج - صحح أخطاء خطيرة وردت في التوراة في مواضع متعددة.
د - انفرد بذكر مادة خاصة به ليس لها مصدر سواه.
٥ - في حالة اختلافه مع التوراة حول واقعة يكون الصحيح هو ما ذكره القرآن. والباطل ما جاء في التوراة بشهادة العقل والعلم إذا كان الاحتمال الأول هو الواقع فالقرآن مقتبس من التوراة.