للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الطبري: في تفسير قوله: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ}، ما نبدل من حكم آية فنغيره، أو نترك تبديله فنقره بحاله نأت بخير منها لكم من حكم الآية التي نسخنا فغيرنا حكمها، إما في العاجل لخفته عليكم من أجل أنه وضع فرض كان عليكم فأسقط ثقله عنكم، وذلك كالذي كان على المؤمنين من فرض قيام الليل ثم نسخ ذلك فوضع عنهم فكان ذلك خيرا لهم في عاجلهم لسقوط عبء ذلك وثقل حمله عنهم، وإما في الآجل لعظم ثوابه من أجل مشقة حمله وثقل عبئه على الأبدان كالذي كان عليهم من صيام أيام معدودات في السنة فنسخ وفرض عليهم مكانه صوم شهر كامل في كل حول؛ فكان فرض صوم شهر كامل كل سنة أثقل على الأبدان من صيام أيام معدودات غير أن ذلك وإن كان كذلك فالثواب عليه أجزل، والأجر عليه أكثر؛ لفضل مشقته على مكلفيه من صوم أيام معدودات. فذلك وإن كان على الأبدان أشق فهو خير من الأول في الآجل؛ لفضل ثوابه وعظم أجره الذي لم يكن مثله لصوم الأيام المعدودات. (١)

الحكمة الخامسة: الاختبار وتثبيت المؤمنين. (٢)

قال الرازي: في قوله تعالى: {لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: ١٠٢] أي ليبلوهم بالنسخ حتى إذا قالوا فيه هو الحق من ربنا؛ حكم لهم بثباتِ القَدَم في الدين، وصحة اليقين بأن الله حكيم فلا يفعل إلا ما هو حكمة وصواب (٣).

الحكمة السادسة: رعاية أحوال القلب.

وذلك أن الأعمال البدنية إذا تواطأ عليه الخلق خلفا عن سلف، صارت كالعادة عندهم، وظنوا أن أعيانها مطلوبة لذاتها، ومنعهم ذلك عن الوصول إلى المقصود من معرفة الله وتمجيده، فإذا غيرت بعض طرقها إلى نوع من الأنواع وتبين أن المقصود من هذه


(١) جامع البيان (١/ ٣٨٢).
(٢) معالم أصول الفقه (٢٥٤)، الأصول في علم الأصول لابن العثيمين (٤٤)، مقدمات النسخ د/ أسامة عبد العظيم (٧٤).
(٣) تفسير الرازي (٥/ ٣٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>