للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يؤجر للقمة يطعمها زوجته، فما ظننا بما تصنعه الأم مع ولدها في هذه المرحلة الخطيرة من عمر الإنسان، فالأب وعليه النفقة، وفيها إطعام الأم فيجب عليه الاعتناء بها، لأنها بدورها تقوم على مخلوق آخر غيرها وهو طفلها، فيحرم على الأب التقصير تجاه الأم، لأنه بالتالي يؤدي إلى التقصير تجاه المولود، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيع ما يعول" (١).

وتأمل رحمة الأم بوليدها كما يصوره الحديث الشريف عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَبْيٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَألصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَال لَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَترَوْنَ هَذ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ، قُلْنَا: لَا، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ! فَقَال: للهَ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذه بِوَلَدِهَا" (٢).

وقال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٣)} (البقرة: ٢٣٣).

قال ابن القيم: دلت الآية على عدة أحكام:

أحدها: أن تمام الرضاع حولين وذلك حق للولد إذا احتاج إليه ولم يستغن عنه وأكدهما بكاملين لئلا يحمل اللفظ على حول وأكثر، وثانيها: أن الأبوين إذا أرادا فطامه قبل ذلك بتراضيهما وتشاورهما مع عدم مضرة الطفل فلهما ذلك. وثالثها: أن الأب إذا أراد أن يسترضع لولده مرضعة أخرى غير أمه فله ذلك وإن كرهت الأم إلا أن يكون مضارا بها أو بولدها فلا يجاب إلى ذلك ويجوز أن تستمر الأم على رضاعه بعد الحولين إلى


(١) سنن النسائي الكبرى (٩١٧٦)، المستدرك (٨٥٢٦)، وصححه الألباني في الإرواء بلفظ (من يقوت) (٣/ ٤٠٦)، وهذا اللفظ عند أبي داود (١٦٩٢)، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (١٤٨٤).
(٢) البخاري (٥٩٩٩)، مسلم (٢٧٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>