للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشوكاني: وظاهر النظم القرآني العموم في كل شيء مما في الكتاب، فيمحو ما يشاء محوه من شقاوة أو سعادة أو رزق أو عمر، أو خير أو شرّ، ويبدل هذا بهذا، ويجعل هذا مكان هذا {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)} [الأنبياء: ٢٣]. (١)

القول الثاني: أن هذه الآية خاصة في بعض الأشياء دون البعض.

وعلى هذا التقرير ففي الآية وجوه:

أحدها: يمحو الله ما يشاء من أمور عباده فيغيره إلا الشقاء والسعادة فإنهما لا يغيران، قاله ابن عباس ومجاهد.

الثاني: يمحو الله ما يشاء ويثبت ما يشاء في كتابٍ سوى أُم الكتاب، وهما كتابان أحدهما: أم الكتاب لا يغيره ولا يمحو منه شيئًا كما أراد، قاله عكرمة.

الثالث: أن الله - عز وجل - ينسخ ما يشاء من أحكام كتابه، ويثبت ما يشاء منها فلا ينسخه أي الناسخ والمنسوخ، فيمحو المنسوخ، ويثبت الناسخ، قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد.

الرابع: أنه يمحو مَنْ قد جاء أجلُه ويثبت من لم يأت أجلُه، قاله الحسن.

الخامس: يغفر مما يشاء من ذنوب عباده، ويترك ما يشاء فلا يغفره، قاله سعيد بن جبير.

السادس: أنه الرجل يقدم الطاعة ثم يختمها بالمعصية فتمحو ما قد سلف، والرجل يقدم المعصية ثم يختمها بالطاعة فتمحو ما قد سلف، وهذا القول مأثور عن ابن عباس أيضًا.

السابع: أن الحفظة من الملائكة يرفعون جميع أقواله وأفعاله، فيمحو الله - عز وجل -، منها ما ليس فيه ثواب ولا عقاب، ويثبت ما فيه الثواب والعقاب، قاله الضحاك. وثم أقوال أخرى ذكرها أهل العلم. (٢)

والقول الأول هو الراجح.

فإن قال قائل: ألستم تزعمون أن المقادير سابقة قد جف بها القلم وليس الأمر بأنف،


(١) فتح القدير (٣/ ١٢٤)، تفسير الرازي (١٩/ ٦٤)، تفسير القرطبي (٩/ ٣٤٠)، تفسير ابن كثير (٨/ ١٦٥).
(٢) تفسير الطبري (١٣/ ١٧٠: ١٦٥)، النكت والعيون (٣/ ١١٨: ١١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>