للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أ - التذكير بنعمة الله تعالى حيث إن غالب الآيات المنسوخة الحكم لا التلاوة فيها تخفيف على الأمة، مثل نسخ عدة المتوفاة من سنة إلى أربعة أشهر وعشرًا، وفي الصحيحين قَالَتْ زَيْنَبُ: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَتَكْحُلُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: لَا، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، كلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا، ثمَّ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ) قَالَ حُمَيْدٌ: فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ: وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ؟ فَقَالَتْ زَيْنَبُ: كَانَتْ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَائِرٍ فَتَفْتَضُّ بِهِ فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلَّا مَاتَ ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعَرَةً فَتَرْمي ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ، سُئِلَ مَالِكٌ مَا تَفْتَضُّ بِهِ قَالَ: تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا). (١)

ب - أن نسخ حكم الآية التكليفي لا يبطل كل الأحكام المتعلقة بالآية مثل الأجر لمن قرأها، فقارئها له ثواب التلاوة، وكذلك الاستفادة من الآية في الأحكام البلاغية والنحوية والتجويدية، ومن قيام معجزات بيانية أو علمية أو سياسية فيها.

٣ - أن العقل لا يمنع أن يقول الملك لرعيته: افعلوا كذا، وهو يقصد أن يهيئهم لأمر آخر، فإذا تهيئوا قال: افعلوا كذا، وكما يقول الطبيب لمدمن التدخين مثلًا: قلل من شرب الدخان، فإذا تجاوز هذه المرحلة قال له: اقطع التدخين.

وأما نسخ التلاوة وبقاء الحكم فله حِكَم كثيرة منها:

١ - الابتلاء، لمعرفة كمال اتباع الناس للنصوص، فالمؤمن كامل الإيمان يسلم، والمنافق يجادل، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ يوم الجمعة فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى الله بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَائِلٌ لَكُمْ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا لَا أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي فَمَنْ عَقَلَهَا وَوَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لَا


(١) البخاري (٥٠٢٤)، مسلم (١٤٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>