للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنِّي مِنْ أَعْلَمِهِمْ بِكِتَابِ الله، - ثم استحيى مما قال - فقال: وما أنا بخيرهم، ولو أعلم أن أحدًا أعلم مني لرحلت إليه ثم نزل. قال شقيق: فجلست في حِلَق أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فما سمعت أحدًا يرد ذلك عليه ولا يعيبه" (١).

وذلك لا ينافي أنه كان يرى في زيد أهلية وكفاية للنهوض بما أسند إليه، وإن كان هو في نظر نفسه أكفأ وأجدر، غير أن المسألة تقديرية ولا ريب أن تقدير أبي بكر وعمر وعثمان لزيد أصدق من تقدير ابن مسعود له، كيف وقد كان لزيد مؤهلات، ومزايا توافرت فيه حتى جعلته الجدير بتنفيذ هذه الغاية السامية، أضف إلى ذلك أن عثمان ضم إليه ثلاثة، ثم كان هو وجمهور الصحابة مشرفين عليهم مراقبين لهم، وناهيك في عثمان أنه كان من حفاظ ومعلمي القرآن، وخلاصة هذا الجواب أن اعتراض ابن مسعود كان منصبًا على طريقة تأليف لجنة الجمع لا على صحة نفس الجمع مع أن كلمة ابن مسعود السالفة لا تدل على أكثر من أنه كان يكبر زيدًا بزمن طويل إذ كان عبد الله مسلمًا وزيد لا يزال ضميرًا مستترا في صلب أبيه، وليس هذا بمطعن في زيد فكم ترك الأول للآخر، ولو كان الأمر بالسن لاختل كثير من نظام الكون، ثم إن كلمة ابن مسعود ربما يفهم منها الطعن في زيد من ناحية أن أباه كان كافرًا ولكن هذا ليس بمطعن فكثير من أكابر الصحابة كانوا في مبدأ أمرهم كفارًا وخرجوا من أصلاب آباء كافرين والله تعالى يقول: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤]، ويقول: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] (٢).

فقول ابن مسعود هذا؛ لا يدل على عدم جواز جمع القرآن في المصحف، ولا على أنه كان مخالفًا في الجمع، وكل ما يدل عليه أنه يرى أنه أحق من زيد بجمع القرآن لسوابقه في الإسلام، مع كمال ثقته في زيد وأهليتِه للنهوض بِما أسند إليه (٣).


(١) البخاري (٥٠٠٠)، مسلم (٢٤٦٢).
(٢) مناهل العرفان في علوم القرآن ١/ ١٩٧.
(٣) المدخل لدراسة القرآن الكريم لأبي شهبة (٢٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>