للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن الله سبحانه لم يحفظ كتابًا من الكتب كذلك؛ بل استحفظها - عز وجل - الربانيين والأحبار فوقع فيها ما وقع، وتولى حفظ القرآن بنفسه سبحانه، فلم يزل محفوظًا أولًا وآخرًا، فقد أنزل الله - عز وجل - القرآن على قلب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتكفل الله بجمعه في قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - وعدم نسيانه إياه، وأرشده إلى عدم الاستعجال في هذا الأمر، قال تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩)} [القيامة: ١٦ - ١٩].

قال ابن كثير: هذا تعليم من الله - عز وجل - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في كيفية تلقيه الوحي من الملك، فإنه كان يبادر إلى أخذه، ويسابق الملك في قراءته، فأمره الله عز وجل إذا جاءه الملك بالوحي أن يستمع له، وتكفل له أن يجمعه في صدره، وأن ييسره لأدائه على الوجه الذي القاه إليه، وأن يبينه له ويفسره ويوضحه. فالحالة الأولى جمعه في صدره، والثانية تلاوته، والثالثة تفسيره وإيضاح معناه (١).

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ - عز وجل -: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ كَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ فَكَانَ ذَلِكَ يُعْرَفُ مِنْهُ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦)} أَخْذَهُ {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ في صَدْرِكَ وَقُرآنَهُ فَتَقْرَؤُهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} قَالَ أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ لَهُ {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ الله (٢).

وتكفل الله بعدم نسيانه إياه، قال تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: ٦، ٧]، والمعنى: سنقرئك يا محمد هذا القرآن فلا تنساه إلا ما شاء الله، ومعنى الاستثناء في هذا الموضع على النسيان، ومعنى الكلام: فلا تنسى إلا ما شاء الله أن تنساه وتذكره، وهذا ما نسخه الله من القرآن، فرفع حكمه وتلاوته، وقيل: النسيان في هذا


(١) تفسير ابن كثير ١٤/ ١٩٦.
(٢) البخاري (٤٩٢٩)، مسلم (٤٤٨) واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>