مع تضمنها سرًا عجيبًا وهو أن الألف البداية، واللام التوسط، والميم النهاية فاشتملت الأحرف الثلاثة على البداية والنهاية والواسطة بينهما، وكل سورة استفتحت بهذه الأحرف الثلاثة فهي مشتملة على بدء الخلق ونهايته وتوسطه، فمشتملة على تخليق العالم وغايته، وعلى التوسط بين البداية والنهاية من التشريع والأوامر، فتأمل ذلك في البقرة، وآل عمران، وتنزيل السجدة، وسورة الروم.
وتأمل اقتران الطاء بالسين والهاء في القرآن؛ فإن الطاء جمعت من صفات الحروف خمس صفات لم يجمعها غيرها وهي: الجهر والشدة والاستعلاء والإطباق، والسين مهموس رخو مستفل صفيري منفتح، فلا يمكن أن يجمع إلى الطاء حرف يقابلها كالسين والهاء فذكر الحرفين اللذين جمعا صفات الحروف.
وتأمل السور التي اشتملت على الحروف المفردة، كيف تجد السورة مبنية على كلمة ذلك الحرف؟ فمن ذلك "ق" والسورة مبنية على الكلمات القافية من ذكر القرآن، وذكر الخلق، وتكرير القول ومراجعته مرارا، والقرب من ابن آدم، وتلقي الملكين قول العبد، وذكر الرقيب، وذكر السائق والقرين، والإلقاء في جهنم، والتقدم بالوعيد، وذكر المتقين، وذكر القلب والقرون والتنقيب في البلاد، وذكر القيل مرتين وتشقق الأرض وإلقاء الرواسي فيها وبسوق النخل والرزق، وذكر القوم وحقوق الوعيد، ولو لم يكن إلا تكرار القول والمحاورة، وسر آخر وهو أن كل معاني هذه السورة مناسبة لما في حرف القاف من الشدة والجهر والعلو والانفتاح.
وإذا أردت زيادة إيضاح هذا فتأمل ما اشتملت عليه سورة "ص" من الخصومات المتعددة فأولها خصومة الكفار مع النبي أجعل الآلهة لها واحد إلى آخر كلامهم، ثم اختصام الخصمين عند داود، ثم تخاصم أهل النار، ثم اختصام الملأ الأعلى في العلم وهو الدرجات والكفارات، ثم مخاصمة إبليس واعتراضه على ربه في أمره بالسجود لآدم، ثم خصامه ثانيًا في شأن بنيه، وحلفه ليغوينهم أجمعين إلا أهل الإخلاص منهم، فليتأمل