زعم المعترض أن قول الله تعالى للملائكة:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} كان على سبيل الاستشارة، وللرد عليه نقول وبالله تعالى التوفيق:
أولًا: إن أمور الغيب التي أخفاها الله تعالى عنا، والحِكم المرجوة من العبادات لا نستطيع الاطلاع عليها، أو معرفتها إلا بما عَلَّمَنا الله تعالى إياه في كتابه الكريم، أو ورد في السنة الصحيحة عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم -، أو عن أحد الصحابة المكرمين بشرط ثبوت الإسناد عنه، ويكون هذا الوارد عن هذا الصحابي الجليل من قبيل الاستئناس وليس من قبيل الجزم به، فطالما أن هذا الأمر لم يرد لا في كتاب ولا سنة صحيحة فنحن متوقفون فيه، ونَكِلُ علمه إلى الله تعالى، ولا نتكلم فيه برأينا، ونقول: الله أعلم، ولا ينقص هذا الأمر من عظمة ديننا ولا من إيماننا بربنا ونبينا؛ بل هو على العكس تمامًا هو من أساس العبودية والتسليم لله تعالى:{وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}[آل عمران: ٧]، على أننا ننفي تمامًا أن يكون الله تعالى قد استشار الملائكة في خلق آدم - عليه السلام -، والاستشارة دائمًا تكون لطلب رأي ليس عندك أو لزيادة الاطمئنان؛ وفي كلتا الحالتين يدل هذا على عدم العلم بالأمور، ونحن نعتقد يقينًا أن الله تعالى منزه عن هذا، كيف وهو القائل في نفس الآية:{إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}؟ فنحن أشد تنزيهًا وتعظيمًا لله تعالى من غيرنا، ولله الحمد والمنة.
ثانيًا: استنبط بعض المفسرين أسبابًا لقول الله تعالى هذا الأمر للملائكة، وكلها من قبيل الاجتهاد فلا نجزم بشيء منها، ومن هذه الأقوال:
١ - ليسألوا ذلك السؤال ويُجابوا بما أُجيبوا به فيعرفوا حكمته في استخلافهم قبل كونهم، صيانةً لهم عن اعتراض الشبهة في وقت استخلافهم.
٢ - ليعلِّم عبادَه المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها، وعرضها على ثقاتهم ونصائحهم، وإن كان هو بعلمه وحكمته البالغة غنيًا عن المشاورة. (١)
٣ - أن الله تعالى علم في نفس إبليس كبرًا، فأحب أن يُطلع الملائكة عليه، وأن يظهر ما