للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا نفسي نفسي اذْهَبوا إِلَى عِيسَى - صلى الله عليه وسلم -، فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ الله، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ في الْمَهْدِ، وَكَلِمَةٌ مِنْهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ عِيسَى - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ - وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ ذَنْبًا - نفسي نفسي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبوا إِلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَأْتُونِّي فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ الله، وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، وَغَفَرَ الله لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَأَنْطَلِقُ فَآتِى تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجدًّا لِرَبِّى ثُمَّ يَفْتَحُ الله عَلَىَّ وَيُلْهِمُنِي مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ لأَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ اشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أمتي أمتي. فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلِ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ، وَالذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى". (١)

فجملة {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ} كجملة {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ} في معنى التفريع على {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ} أي لا يتكلم الناس بينهم إلا همسًا، ولا يجرؤون على الشفاعة لمن يهمهم نفعه، والمقصود من هذا أن جلال الله والخشية منه يصدان عن التوسط عنده لنفع أحد إلا بإذنه، وفيه تأييس للمشركين من أن يجدوا شفعاء لهم عند الله، واستثناء من أذن له الرحمن من عموم الشفاعة باعتبار أن الشفاعة تقتضي شافعًا؛ لأن المصدر فيه معنى الفعل فيقتضي فاعلا أي لا أن يشفع من أذن له الرحمن في أن يشفع فهو استثناء تام وليس بمفرغ، واللام في (أذن له) تعددية فعل "أذن" مثل قوله: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} وتفسير هذا ما ورد في حديث الشفاعة من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "فيقال لي: سل تعطه واشفع تشفع"، وقوله: {وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} عائد إلى {مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} وهو


(١) البخاري (٧٤١٠)، ومسلم (٣٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>