للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في كشف كربة ومعونة ضعيف؛ إذ ليس كل أحد يقدر على الوصول إلى الرئيس، ولا التمكن منه ليلج عليه أو يوضح له مراده ليعرف حاله على وجهه، وإلا فقد كان - صلى الله عليه وسلم - لا يحتجب، فيستحب الشفاعة لأصحاب الحوائج المباحة سواء كانت الشفاعة إلى سلطان ووال ونحوهما، أم إلى واحد من الناس، وسواء كانت الشفاعة إلى سلطان في كف ظلم أو إسقاط تعزير أو تخليص عطاء لمحتاج أو نحو ذلك.

وأما الشفاعة في الحدود فحرام، فلا يستثنى منه الوجوه التي تستحب فيها إلا الحدود، وإلا فما لأحد فيه تجوز الشفاعة فيه، ولا سيما من وقعت منه الهفوة أو كان من أهل الستر والعفاف، وأما المصرون على فسادهم المشتهرون في باطلهم فلا يشفع فيهم ليزجروا عن ذلك، فالشفاعة في تتميم باطل أو إبطال حق ونحو ذلك فهي حرام (١).

٣ - نزلت هذه الآية في شفاعات الناس بعضهم لبعض، فما يجوز في الدين أن يشفع فيه فهو شفاعة حسنة، وما لا يجوز أن يشفع فيه فهو شفاعة سيئة.

فمن يشفع شفاعة حسنة كان له فيها أجر وإن لم يشفع؛ لأن الله تعالى يقول {وَمَنْ يَشْفَعْ} ولم يقل (ومن يُشَفَّعْ) ويتأيد هذا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اشفعوا تؤجروا".

٤ - الشفاعة الحسنة هي التي روعي بها حق مسلم، ودفع بها عنه شر، أو جلب إليه خير، وابتغى بها وجه الله، ولم تؤخذ عليها رشوة، وكانت في أمر جائز.

٥ - نكتة اختيار النصيب في الحسنة، والكفل في السيئة وذلك أن النصيب يشمل الزيادة؛ لأن جزاء الحسنات يضاعف، وأما الكفل فأصله المركب الصعب ثم استعير للمثل المساوي فلذلك اختير إلى لطفه بعباده إذا لم يضاعف السيئات كالحسنات، ويقال: إنه وإن كان معناه المثل لكنه غلب في الشر وندر في غيره (٢).

فهذا أمر الله لعباده بالشفاعة في الدنيا وهم في الآخرة أشد احتياجًا لها، فهل يحرمهم


(١) فتح الباري (١٠/ ٤٦٥ - ٤٦٦)، وشرح مسلم للنووي (٨/ ٤٢٦).
(٢) محاسن التأويل (٥/ ٣٣١ - ٣٣٤)، والتحرير والتنوير (٥/ ١٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>