ونذكر أيضًا بعض نواحي محبة وتعاون؛ فمثلًا في الدول الإخشيدية كان محمد بن طغج الإخشيدي يحتفل مع الأقباط بعيد الغطاس في جزيرة في النيل، وقد أوقدوا حوله ألف قنديل. وفي الدولة الطولونية نعرف أن جامع أحمد بن طولون بناه سعيد بن كاتب الفرغاني؛ وهو مهندس مسيحي، طلب منه أحمد بن طولون أن يبني مسجده بغير عمدٍ تمنع النظر. وفي الدولة الفاطمية كانت العلاقة طيبة جدًّا بين المسيحيين والمسلمين حتى إن يعقوب بن كلس اليهودي كان الوزير الوحيد في عهد المعز، وعيسى بن نسطورس النصراني كان كذلك في عهد العزيز بن المعز، ما يدل على أن غير المسلمين وصلوا إلى درجات كبيرة في الدولة. نرى أيضًا من سماحة الإسلام: ما قيل من كلمات طيبة عن أهل الكتاب في آيات القرآن، ففي سورة آل عمران: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: ١١٣, ١١٤]، ولا شك أن هذه الكلمات كان لها تأثير في المجتمع الإسلامي، وفي العلاقة الطيبة بين المسيحيين والمسلمين وفي سورة الأنبياء:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[الأنبياء: ٧]، وفي سورة المائدة:{وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}[المائدة: ٨٢]، وفي الحديث عن السيد المسيح في سورة الحديد:{وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً}[الحديد: ٢٧].
ومن التسامح الإسلامي أيضًا الأحاديث التي وردت عن أهل الذمة، فقد قيل (في المأثورات الإسلامية): "من آذى ذميًا فليس منا، العهد لهم ولأبنائهم عهد أبدي لا يُنقض، يتولاه ولي الأمر ويرعاه" لا ننسى العلاقة الطيبة التي قدم لها مثالًا الخليفة عمر بن الخطاب عندما دُعي للصلاة في كنيسة القدس فاعتذر عن ذلك، وقال: (لئلا يأتي المسلمون من بعدي،