للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الاصطلاح: هو اتفاق مجتهدي عصرٍ من العصور من أمة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته على أمرٍ ديني.

وقد اشتمل هذا التعريف على خمسة قيودٍ:

الأول: أن يصدر الاتفاق عن كل العلماء المجتهدين؛ فلا يصح اتفاق بعض المجتهدين، وكذلك لا يصح اتفاق غير المجتهدين كالعامة، أو من لم تكتمل فيهم شروط الاجتهاد.

أي يشترط في صحة الإجماع أن يكون قولَ جميع المجتهدين، ولا يُعْتَدُّ بقول الأكثر - الجمهور - فإذا خالفَ واحدٌ أو اثنان من المجتهدين فإن قولَ الباقين لا يُعْتَبَرُ إجماعًا.

الثاني: المراد بالمجتهدين مَن كان موجودًا منهم دون من مات، أو لم يولد بعدُ، وهذا هو المقصود بقيد (عصرٍ من العصور).

الثالث: لا بد أن يكون المُجْمِعُون من المسلمين، ولا عبرةَ بإجماع الأمم غير المسلمة.

الرابع: الإجماع إنما يكون حجةً بعد وفاة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ولا يقع في حياته.

الخامس: أن كون المسألةُ المجمَعُ عليها من الأمور الدينية، ويخرج بذلك الأمور الدنيوية والعقلية وغيرها (١).

وقد ذهب بعض العلماء إلى القول باشتراط انقراض العصر، ولعل هؤلاء أرادوا بهذا الاشتراط زيادة التثبت في نسبة قول المجمعين إليهم، وشدة التأكد من استقرار أهل المذاهب على مذاهبهم.

وعلى كل حالٍ فلا بد في هذه المسألة من تحرير قضيةٍ مهمةٍ:

ألا وهي التثبت في نقل الاتفاق والتأكد من حصول الإجماع؛ وذلك بمعرفة أقوال المجمعين والاطلاع على أحوالهم للعلم باستقرارهم على مذاهبهم (٢).

قلت: أما في حالة نقل الاتفاق دون التأكد من موافقة جميع المجتهدين فالإجماع المنقول لا يكون صحيحًا، ثم إن هناك شرطًا أساسيَّا كما أسلفنا، وهو أن يستند الإجماع إلى دليلٍ شرعيٍّ ولا يمكن إجماع الأمة عن هوًى أو قولٍ على الله بغير علم.


(١) معالم أصول الفقه (١٦١ - ١٦٢).
(٢) المصدر السابق (١٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>