للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن كانت موافقة للقرآن، فكان القرآن مصدقًا لها، وأما فيما عدا الأحكام فلا شبهة في أن القرآن مصدقٌ لها؛ لأن دلائل المباحث الإلهية لا تختلف في ذلك فهو مصدق لها في الأخبار الواردة في التوراة والإنجيل (١).

فالقرآن مصدق لما معكم أي: موافق بالتوحيد وصفة محمد - صلى الله عليه وسلم - ونعته وبعض الشرائع لما معكم من الكتاب، فأمرهم الله - سبحانه وتعالى - بالتصديق بالقرآن، وأخبرهم أن في تصديقهم بالقرآن تصديقًا منهم للتوراة؛ لأن الذي في القرآن من الأمر بالإقرار بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وتصديقه واتباعه نظير الذي من ذلك في الإنجيل والتوراة، ففي تصديقهم بما أنزل على محمد تصديق منهم لما معهم في التوراة، وفي تكذيبهم به تكذيب منهم لما معهم من التوراة، وتقييد المنزل بكونه مصدقًا لما معهم لتأكيد وجوب الامتثال، فإذا إيمانهم بما معهم مما يقتضي الإيمان بما يصدقه قطعًا (٢).

فاعلموا أن كل ما عورض به الحق المتيقن ليبطل به أو عورض به دون الكذب المتيقن ليصحح به؛ فإنما هو شغب وتمويه وتخييل فاسد بلا شك؛ لأن اليقين لا يمكن البتة في البينة أن يتعارضا أبدًا.

أما إقرارنا بالتوراة والإنجيل فنعم، وأي معنى لتمويهكم بهذا ونحن لم ننكرهما قط؛ بل نُكفر من أنكرها، إنما قلنا: إن الله - عز وجل - أنزل التوراة على موسى - عليه السلام - حقًا، وأنزل الزبور على داود - عليه السلام - وأنزل الإنجيل على عيسى - عليه السلام - حقًا، وأنزل الصحف على إبراهيم وموسى - عليهما السلام - حقًا، وأنزل كتبًا لم تسم لنا على أنبياء لم يسمو لنا حقًّا نؤمن بكل ذلك؛ قال تعالى: {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (١٩)} [الأعلى: ١٩]، وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦)} [الشعراء: ١٩٦].

وقلنا ونقول: إن كفار بني إسرائيل بدلو االتوراة والزبور فزادوا ونقصوا، وأبقى الله -


(١) تفسير الرازي (٧/ ١٥٨).
(٢) محاسن التأويل (٢/ ١١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>