للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمعنى أفعلت وفعلت في حروف بمعنى واحد.

قال بشر بن أبي حازم:

كأن الأتحمية قام فيها ... لحسن دلالها رشأ موافي

قال الباهلي: موافي مثل مفاجي، وأنشد:

وكأنما وافاك يوم لقيتها ... من وحش وجرة عاقد متربب (١)

ثانيًا: قول الله - عز وجل -: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ. . .}

قيل: إن هذا فيه تقديم وتأخير {إِنِّي} عطف و {وَرَافِعُكَ إِلَيَّ. . .} على التقديم والتأخير؛ إذ الواو لا تفيد ترتيب الزمان أي: إني رافعك إلي ثم متوفيك بعد ذلك (٢).

أي: إذ قال الله يا عيسى إني رافعك إلي، ومطهرك من الذين كفروا، ومتوفيك بعد إنزالي إياك إلى الدنيا؛ فيكون هذا من المقدم الذي معناه التأخير، والمؤخر الذي معناه التقديم (٣).

ثالثًا: إن الوفاة في اللغة تطلق أيضًا على النوم:

ويحتمل أن الوفاة بمعنى النوم فيكون المعنى: إني منيمك ورافعك في نومك، فيطلق التوفي على النوم مجازًا بعلاقة المشابهة؛ في نحو قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ}، وقوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٤٢)} أي: والتي لم تمت الموت المعروف فيميتها في منامها موتًا شبيهًا بالموت التام كقوله:

{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ}، ثم قال: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} فالكل إماتة في التحقيق وإنما فصل بينهما العرف والاستعمال؛ ولذلك فرع بالبيان بقوله: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}، فالكلام منتظم غاية


(١) تهذيب اللغة (١٥/ ٥٨٤)، والصحاح (٥/ ٢٠٠٢)، لسان العرب (١٥/ ٤٠٠ - ٤٠١).
(٢) تفسير الطبري (٣/ ٢٩٠).
(٣) تفسير ابن عاشور (٣/ ٢٥٨)، تفسير الرازي (٨/ ٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>