قول الله تعالى:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} والمعنى: ما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن قبل موته بعيسى، وبأنه عبد الله ورسوله، يعني: إذا عاين قبل أن تزهق روحه قبل موته، أي: قبل موت الكتابي نفسه، وذلك؛ لأن من نزل به الموت من أهل الكتاب لا يموت حتى يتجلى له ما كان جاهلًا فيؤمن عند ذلك بعيسى - عليه السلام -، فما من أهل الكتاب أحد يحضره الموت إلا آمن عند الموت قبل خروج روحه بعيسى - عليه السلام -، وأنه عبد الله وابن أمته، ولكن لا ينفعه هذا الإيمان؛ لأنه في حضرة الموت وحالة النزع، وتلك الحالة لا حكم لما يفعل أو يقال فيها، فلا يصح فيها إسلام، ولا كفر، ولا وصية، ولا بيع، ولا عتق، ولا غير ذلك من الأقوال؛ لقول الله تعالى:{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ}[النساء: ١٨]
وقال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} [غافر: ٨٤, ٨٥]، وكذلك لما أدرك فرعون الغرق قال:{قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[يونس: ٩٠]، فقال تعالى: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١)} [يونس: ٩١]، فما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن قبل موته بعيسى إذا عاين قبل أن تزهق روحه حين لا ينفعه إيمانه لانقطاع وقت التكليف.
فعن شهر بن حوشب: قال لي الحجاج آية ما قرأتها إلا تخالج في نفسي شي منها - يعني هذه الآية - وقال: إني أُوتى بالأسير من اليهود والنصارى فأضرب عنقه فلا أسمع من ذلك؟ فقلت: إن اليهودي إذا حضره الموت ضربت الملائكة دبره ووجهه، وقالوا: يا عدو الله، أتاك موسى نبيًا فكذبت به؟ فيقول: آمنت أنه عبد نبي، وتقول للنصراني: أتاك عيسى نبيًا فزعمت أنه الله أو ابن الله؟ فيؤمن أنه عبد الله ورسوله حيث لا ينفعه إيمانه.