وتقدم في سورة الأعراف:{وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ}
وقد جمع بين هذه الثلاثة المواضع بأن لوطًا كان ثابتًا على الإرشاد ومكررًا للنهي لهم والوعيد عليهم، فقالوا له أولًا: ائتنا بعذاب الله كما في الآية، فلما كثر منه ذلك ولم يسكت عنهم قالوا: أخرجوهم كما في سورة الأعراف والنمل، وقيل: إنهم قالوا أولًا: أخرجوهم من قريتكم ثم قالوا ثانيًا: ائتنا بعذاب الله (١).
(فائدة): في آية العنكبوت اختلف فيها الجواب عن سورة الأعراف وهي: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩)}، والقرآن يفسر بعضه بعضًا، ومتى كان الكلام مفهومًا كان صحيحًا فصيحًا وإن أشكل على جامدي النحاة إعرابه.
فإن قيل: إن في حكاية الجوابين تعارضًا في المعنى محكيًا بصيغة النفي والإثبات فيهما فكيف وقع هذا في كتاب الله تعالى وما الذي يدفع هذا التعارض؟ قلنا: إنه لا تعارض ولا تنافي بين الجوابين لحملها على الوقوع في وقتين، ولا شك أنه كان ينهاهم كثيرًا فكان يسمع في كل وقت كلامًا ممن حضر منهم، وقد قلنا: إن قصص القرآن لم يقصد بها سرد حوادث التاريخ؛ بل العبرة والموعظة فيما يذكر في كل سورة من القصة الواحدة من المعاني والمواعظ ما لا يذكر في الأخرى، ومجموعها هو كل ما أراد الله تعالى أن يعظ به هذه الأمة. فمن المعهود أن الرسل عليهم السلام - وَكَذَا غَيْرُهُمْ مِنَ الْوُعَّاظِ الذين ينهون الضالين والمجرمين عن المنكر - يُكَرِّرُونَ لهم الوعظ بمعان متقاربة. وقد حكى الله تعالى من قول رسوله لوط - عليه السلام - لقومه في سورة العنكبوت ما لم يحكه في سورتي الأعراف والنمل فزاد على إتيانهم الرجال قطع السبيل، وإتيانهم المنكر في النادي الحافل والمجلس الحاشد، فكأنهم ضاقوا به ذرعًا واستعجلوا العذاب الذي أنذرهم إذا أصروا على عصيانه. والأظهر أن هذا كان بعد أمرهم بإخراجه وأن