للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٨٦)} [آل عمران: ٨٦]

وهذه الهداية هي التي أثبتها لرسوله حيث قال: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ونفى عنه ملك الهداية الموجبة؛ وهي هداية التوفيق والإلهام بقوله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}، وقال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥)} [يونس: ٢٥]، فجمع سبحانه بين الهداء يتبين العامة والخاصة، فعم بالدعوة حجة مشيئة وعدلًا، وخص بالهداية نعمة مشيئة وفضلًا، وهذه المرتبة أخص من التي قبلها؛ فإنها هداية تخص المكلفين، وهي حجة الله على خلقه التي لا يعذب أحدًا إلا بعد إقامتها عليه؛ قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥]، وقال: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥]، وقال: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧)} [الزمر: ٥٦, ٥٧].

وقال: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (٩)} [الملك: ٨, ٩].

فإن قيل: كيف تقوم حجته عليهم وقد منعهم من الهدى وحال بينهم وبينه؟ قيل: حجته قائمة عليهم بتخليته بينهم وبين الهدى وبيان الرسل لهم، وأراءتهم الصراط المستقيم حتى كأنهم يشاهدونه عيانًا، وأقام لهم أسباب الهداية ظاهرًا وباطنًا، ولم يَحُلْ بينهم وبين تلك الأسباب، ومن حال بينه وبينها منهم بزوال عقل أو صغر لا تمييز معه أو كونه بناحية من الأرض لم تبلغه دعوة رسله فإنه لا يعذبه حتى يقيم عليه حجته، فلم يمنعهم من هذا الهدى ولم يحل بينهم وبينه، نعم قطع عنهم توفيقه ولم يُرِدْ من نفسه إعانتهم والإقبال بقلوبهم إليه، فما حال بينهم وبين ما هو مقدور لهم، وإن حال بينهم وبين ما لا

<<  <  ج: ص:  >  >>