للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد قال تعالى: {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩)} أي: أقبلت على أهلها، وذلك لأنها كانت في خدمتهم، {فِي صَرَّةٍ} أي: صيحة، كما جرت عادة النساء حيث يسمعن شيئًا من أحوالهن يصحن صيحة معتادة لهن عند الاستحياء أو التعجب، ويحتمل أن يقال: تلك الصيحة كانت بقولها: {يَاوَيْلَتَى} تدل عليه الآية التي في سورة (هود: ٧٢) وصك الوجه أيضًا من عادتهن، واستبعدت ذلك لوصفين من اجتماعهما:

أحدهما: كبر السن، والثاني: العقم؛ لأنها كانت لا تلد في صغر سنها، وعنفوان شبابها، ثم عجزت وأيست فاستبعدت (١).

ثم هي ليست بمعصومة، ثم إن الأمر في غاية العجب.

وقال أيضًا أبو حيان: {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} أي: لطمته، وكذلك كما يفعله من يرد عليه أمر يستهوله ويتعجب منه، وهو فعل النساء إذا تعجبن من شيء (٢).

وأما قولهم: إن القرآن لم يذكر عدد ضيوف إبراهيم.

فنقول: وما الفائدة من ذكر عدد الضيوف؟ هذا الأمر لا يقدم ولا يؤخر، بل هذا تنطع، وعلينا أن نسكت عما سكت عنه القرآن، ولم يرد في السنة تحديد عددهم، خاصةً عند عدم الفائدة.

فالقرآن يقص علينا نبأ المرسلين للعبرة والعظة، وأما ما لا منفعة فيه فالقرآن منزه عن ذلك، ولكن القوم تعودوا من كتابهم المحرف ذكر القصص التي لا منفعة فيها، وإليك أمثلة على ذلك:

فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْحَيَّةِ: "لأَنَّكِ فَعَلْتِ هذَا مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ. عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ وَتُرَابًا تَأْكُلِينَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكِ. (التكوين ٣/ ١٤).


(١) تفسير الرازي (٢٨/ ٢١٤ - ٢١٥).
(٢) البحر المحيط (٥/ ٢٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>