للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إيّاهما من التوسّم، والقرائن، لا من تفضيلهما في المعاملة فلا يكون يعقوب - عليه السلام - مؤاخذًا بشيء يفضي إلى التباغض بين الإخوة.

وجملة {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} في موضع الحال من {أَحَبُّ} أي: ونحن أكثر عددًا، والمقصود من الحال التعجّب من تفضيلهما في الحبّ في حال أنّ رجاء انتفاعه من إخوتهما أشدّ من رجائه منهما بناءً على ما هو الشائع عند عامّة أهل البدو من الاعتزاز بالكثرة، فظنوا مدارك يعقوب - عليه السلام - مساوية لمدارك الدّهماء، والعقولُ قلما تدرك مراقي ما فوقها، ولم يعلموا أنّ ما ينظر إليه أهل الكمال من أسباب التفضيل غير ما ينظره مَن دونهم (١).

وقارن بين أدب يوسف وهو يقص على أبيه الرؤيا وهو يقول: {يَاأَبَتِ}، وبين قولهم عن أبيهم: {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} لتعلم الفرق الذي من أجله أحب يعقوب - عليه السلام - يوسف - عليه السلام - أكثر منهم فلم يكن تفضيله إياه عن هوى نفس، أو إعجاب بهيئة، وجمال ظاهر، أو تفضيل زوجة على زوجة أخرى بتفضيل أولادها، فإن نبي الله منزه عن ذلك، إنما كان تفضيله ليوسف - إن كان حدث التفضيل - لما رأى من صفات النجابة، وحسن الأدب، وكمال العقل، وعلامات الاجتباء، والاصطفاء، ودلائل التفضيل الإلهي، والإعداد لوراثة النبوة.

ولا شك أن المؤمن يحب في الله من يراه أكثر طاعة، وموافقته لدين الله الذي يحبه ويرضاه سبحانه لعباده، والأب الذي يفضل في المحبة ابنه المطيع على ابنه العاصي ليس بظالمٍ، ولا معتدٍ، وإنما الجور الذي حذر منه النبي - صلى الله عليه وسلم - هو في العطية الدنيوية، فلا يجوز تفضيل بعض الأولاد فيها على بعض بغير سبب كمرض، أو أمانة، أو فقر، أو حاجة وسمى النبي - صلى الله عليه وسلم - تفضيل بعض الولد في العطية جورًا، فقال للبشير والد النعمان بن بشير


(١) التحرير والتنوير (٧/ ٢٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>