فحزن النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك، وأنزل عليه: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (٧٣)}، فيا لله والمتعلمين والعالمين من شيخ فاسد وسوس هامد، لا يعلم أن هذه الآية نافية لما زعموا، مبطلة لما رووا وتقولوا.
وهو المقام السادس: وذلك أن كاد يكون كذا: معناه قارب ولم يكن؛ فأخبر الله في هذه.
وهو المقام السابع: ولم يفتر، ولو فتنوك وافتريت لاتخذوك خليلا، فلم تفتتن ولا افتريت، ولا عدوك خليلًا. ولولا أن ثبتناك.
وهو المقام الثامن:{لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا}؛ فأخبر الله سبحانه وتعالى أنه ثبته، وقرر التوحيد والمعرفة في قلبه، وضرب عليه سرادق العصمة، وآواه في كنف الحرمة. ولو وكله إلى نفسه، ورفع عنه ظل عصمته لحظة لألممت بما راموه، ولكنا أمرنا عليك بالمحافظة، وأشرقنا بنور الهداية فؤادك، فاستبصر وأزح عنك الباطل، وادحر.
فهذه الآية نص في عصمته من كل ما نسب إليه، فكيف يتأولها أحد؟ عدوا عما نسب من الباطل إليه.
المقام التاسع: قوله: فما زال مهمومًا حتى نزلت عليه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ}[الحج: ٥٢].
فأما غمه وحزنه فبأن تمكن الشيطان مما تمكن، مما يأتي بيانه؛ وكان - صلى الله عليه وسلم - يعز عليه أن ينال الشيطان منه شيئًا وإن قل تأثيره.
المقام العاشر: أن هذه الآية نص في غرضنا، دليل على صحة مذهبنا، أصل في براءة النبي - صلى الله عليه وسلم - مما نسب إليه أنه قاله عندنا، وذلك أنه قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} فأخبر الله تعالى أن من سنته في رسله وسيرته في أنبيائه أنهم إذا قالوا عن الله قولا زاد الشيطان فيه من قبل نفسه، كما يفعل سائر المعاصي، كما تقول: ألقيت في الدار كذا، وألقيت في الكيس كذا.
فهذا نص في أن الشيطان زاد في الذي قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - لا أن النبي قاله؛ وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ تلا قرآنًا مقطعًا، وسكت في مقاطع الآي سكوتًا محصلًا، وكذلك كان