للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد نجحت ويقترب القوم من الإيمان، كما حكى الله عن المشركين قولهم: {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٢)} [الفرقان: ٤٢] فيأتي الشيطان فلا يزال يوسوس في نفوس الكفار فينكصون على أعقابهم، وتلك الوساوس ضروب شتى من تذكيرهم بحب آلهتهم، ومن تخويفهم بسوء عاقبة نبذ دينهم، ونحو ذلك من ضروب الضلالات التي حُكيت عنهم في تفاصيل القرآن، فيتمسك أهل الضلالة بدينهم ويصدّون عن دعوة رسلهم، وذلك هو الصبر الذي في قوله: {لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} [الفرقان: ٤٢] وقوله: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} [ص: ٦]. وكلما أفسد الشيطان دعوة الرّسل أمرَ الله رسلَه فعاودوا الإرشاد وكرروه وهو سبب تكرر مواعظ متماثلة في القرآن، فبتلك المعاودة يُنسخ ما ألقاه الشيطان وتُثبت الآيات السالفة. فالنسخ: الإزالة، والإحكام: التثبيت. وفي كلتا الجملتين حذف مضاف، أي ينسخ آثارَ ما يُلقي الشيطان، ويُحكم آثارَ آياته. (١)

وهناك وجه ثالث أورده صاحب الظلال فقال: إن الرسل عندما يكلفون حمل الرسالة إلى الناس، يكون أحب شيء إلى نفوسهم أن يجتمع الناس على الدعوة، وأن يدركوا الخير الذي جاءوهم به من عند الله فيتبعوه. . ولكن العقبات في طريق الدعوات كثيرة. والرسل بشر محدودو الأجل. وهم يحسون هذا ويعلمونه. فيتمنون لو يجذبون الناس إلى دعوتهم بأسرع طريق. . يودون مثلًا لو هادنوا الناس فيما يعز على الناس أن يتركوه من عادات، وتقاليد، وموروثات، فيسكتوا عنها مؤقتًا لعل الناس أن يفيئوا إلى الهدى، فإذ دخلوا فيه أمكن صرفهم عن تلك الموروثات العزيزة! ، ويودون مثلًا لو جاروهم في شيء يسير من رغبات نفوسهم رجاء استدراجهم إلى العقيدة، على أمل أن تتم فيما بعد تربيتهم الصحيحة التي تطرد هذه الرغبات المألوفة! ، ويودون. من مثل هذه الأماني، والرغبات البشرية المتعلقة بنشر الدعوة وانتصارها. . ذلك على حين يريد الله أن تمضي الدعوة على أصولها الكاملة، وفق موازينها الدقيقة، ثم من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. فالكسب


(١) التحرير والتنوير سورة الحج آية (٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>