للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى الحديث أن قريشًا كانت قبل الإسلام تقف بالمزدلفة وهي من الحرم ولا يقفون بعرفات وكان سائر العرب يقفون بعرفات وكانت قريش تقول نحن أهل الحرم فلا نخرج منه فلما حج النبي - صلى الله عليه وسلم - ووصل المزدلفة اعتقدوا أنه يقف بالمزدلفة على عادة قريش فجاوز إلى عرفات لقول الله - عز وجل -: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: ١٩٩].

المكاء، والتصدية: قال تعالى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [الأنفال: ٣٥]، أنهم كانوا يطوفون بالبيت ويصفِّقون وَيصْفِرُون ويضعون خدودهم بالأرض، فجاء الإسلام وبين أن الطواف لذكر الله.

فعن عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ الله". (١)

قال السعدي: يعني أن الله تعالى إنما جعل بيته الحرام ليقام فيه دينه، وتخلص له فيه العبادة، فالمؤمنون هم الذين قاموا بهذا الأمر، وأما هؤلاء المشركون الذين يصدون عنه، فما كان صلاتهم فيه التي هي أكبر أنواع العبادات {إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} أي: صفيرًا وتصفيقًا، فعل الجهلة الأغبياء، الذين ليس في قلوبهم تعظيم لربهم، ولا معرفة بحقوقه، ولا احترام لأفضل البقاع وأشرفها، فإذا كانت هذه صلاتهم فيه، فكيف ببقية العبادات؟ ، فبأي: شيء كانوا أولى بهذا البيت من المؤمنين الذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم عن اللغو معرضون، إلى آخر ما وصفهم الله به من الصفات الحميدة، والأفعال السديدة. (٢)

ولو فقه المسلمون هذا المعنى العظيم في الحج لما كان في كثير من بلاد المسلمين قبور وأضرحة تعبد من دون الله تعالى؛ فيطاف بها، وينذر لها، ويدعى عندها، ويصرف لها ما لا يجوز صرفه إلا لله تعالى من المحبة والتعظيم والخوف والرجاء، فما أشد غربة التوحيد في


(١) صحيح. أخرجه أبو داود في سننه (١٨٨٨)، وابن خزيمة في صحيحه (٢٨٨٢)، وابن الجارود في المنتقى (٤٥٧)، والترمذي في سننه (٩٠٢)، وأخرجه الدارمي في سننه (١٨٥٣)، وأخرجه أحمد في مسنده ٦/ ٦٤، والبيهقي في الشعب (٤٠٨١) من طرق عن عبيد الله بن أبي زياد، عن القاسم، عن عائشة به.
(٢) تفسير السعدي صـ ٣٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>