للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: ١٥, ١٦]، وقوله: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: ١٩]، فكلامه دليل على علمه بالله وورعه - عليه السلام -.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهمَا ابْنَاها إذ عدا الذِّئْبُ، فأخذ ابْنِ إِحْدَاهُمَا فتنازعتا في الآخر، فَقَالَتْ الكبرى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، وَقَالَتْ الْصغرَى: بل إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، فتحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ فَحكم بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ - عليه السلام - فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ نصفين لكل واحدة منكما نصفه، فَقَالَتْ الصُّغْرَى: يَرْحَمُكَ الله هُوَ ابْنُهَا فَقَضَى بِهِ لها" (١).

قوله: "فَحكم بِهِ لِلْكُبْرَى" كان ذلك على سبيل الفتيا لا الحكم، ولذلك ساغ لسليمان أن ينقضه، والذي ينبغي أن يقال إن داود - عليه السلام - قضى به للكبرى لسبب اقتضى به عنده ترجيح قولها، إذ لا بينة لواحدة منهما، وكونه لم يعين في الحديث اختصارًا لا يلزم منه عدم وقوعه، فيحتمل أن يقال: إن الولد الباقي كان في يد الكبرى وعجزت الأخرى عن إقامة البينة، قال: وهذا تأويل حسن جار على القواعد الشرعية.

وليس في السياق ما يأباه ولا يمنعه، فإن قيل فكيف ساغ لسليمان نقض حكمه؟

فالجواب أنه لم يعمد إلى نقض الحكم، وإنما احتال بحيلة لطيفة أظهرت ما في نفس الأمر، وذلك أنهما لما أخبرتا سليمان - عليه السلام - بالقصة، فدعا بالسكين ليشقه بينهما، ولم يعزم على ذلك في الباطن وإنما أراد استكشاف الأمر فحصل مقصوده لذلك لجزع الصغرى الدال على عظيم الشفقة، ويحتمل أن يكون سليمان ممن يسوغ له أن يحكم بعلمه.


(١) أخرجه البخاري (٦٧٦٩)، مسلم (١٧٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>