للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرواية الثالثة (لهم): قالوا: إن سليمان قال لبعض الشياطين كيف تفتنون الناس؟

فقال: أرني خاتمك أخبرك فلما أعطاه إياه نبذه في البحر فذهب ملكه، وقعد هذا الشيطان على كرسيه، ثم ذكر الحكاية إلى آخرها.

إذا عرفت هذه الروايات فهؤلاء قالوا المراد من قوله: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ} أن الله تعالى ابتلاه وقوله: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} هو جلوس ذلك الشيطان على كرسيه.

والرواية الرابعة: أنه كان سبب فتنته احتجابه عن الناس ثلاثة أيام فسلب ملكه وأُلقي على سريره شيطانٌ عقوبة له.

واعلم أن أهل التحقيق استبعدوا هذا الكلام من وجوه:

الأول: أن الشيطان لو قدر على أن يتشبه بالصورة والخلقة بالأنبياء، فحينئذ لا يبقى اعتماد على شيء من الشرائع، فلعل هؤلاء الذين رآهم الناس في صورة محمد، وعيسى، وموسى - عليهم السلام - ما كانوا أولئك بل كانوا شياطين تشبهوا بهم في الصورة لأجل الإغواء والإضلال، ومعلوم أن ذلك يبطل الدين بالكلية.

والثاني: أن الشيطان لو قدر على أن يعامل نبي الله سليمان بمثل هذه المعاملة لوجب أن يقدر على مثلها مع جميع العلماء والزهاد، وحينئذ وجب أن يقتلهم وأن يمزق تصانيفهم وأن يخرب ديارهم، ولما بطل ذلك في حق آحاد العلماء فلأن يبطل مثله في حق أكابر الأنبياء أولى.

والثالث: كيف يليق بحكمة الله وإحسانه أن يسلط الشيطان على أزواج سليمان؟ ولا شك أنه قبيح.

والرابع: لو قلنا: إن سليمان أذن لتلك المرأة في عبادة تلك الصورة فهذا كفر منه، وإن لم يأذن فيه البتة فالذنب على تلك المرأة، فكيف يؤاخذ الله سليمان بفعل لم يصدر عنه؟

فأما الوجوه التي ذكرها أهل التحقيق في هذا الباب فأشياء:

الأول: أن فتنة سليمان أنه ولد له ابن فقالت الشياطين: إن عاش صار مسلطًا علينا مثل أبيه، فسبيلنا أن نقتله، فعلم سليمان ذلك فكان يربيه في السحاب فبينما هو مشتغل بمهماته إذ ألقى ذلك الولد ميتًا على كرسيه، فتنبه على خطيئته في أنه لم يتوكل فيه على الله، فاستغفر ربه وأناب.

<<  <  ج: ص:  >  >>