للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى: ما يقال لك من التكذيب والأذى إلا كما قد قيل للرسل من قبلك، فكما قد كذبت فقد كذبوا، وكما صبروا على أذى قومهم لهم، فاصبر أنت على أذى قومك لك، وهو قول الجمهور (١). وممن قال به من أئمة التفسير:

قتادة: حيث قال (يعزيه قال: يقول: قد قيل للأنبياء: ساحر وشبه ذلك) (٢).

السدي: حيث قال (ما يقولون إلا ما قد قال المشركون للرسل من قبلك) (٣).

وهو قول الحسن (٤).

ويدل على ذلك قول الله تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢)} [الذاريات: ٥٢].

فكما قيل له: ساحر فقد قيل لموسى - عليه السلام - ساحر كما قال سبحانه على لسان قومه: {إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} [الشعراء: ٣٤]. وكما قيل له مجنون فقد قيل لنوح - عليه السلام - مجنون كما قال سبحانه على لسان قومه: {إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ} [المؤمنون: ٢٥]. وكما قيل له كاذب فقد قيل لصالح - عليه السلام - كذاب كما قال سبحانه على لسان قومه: {أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (٢٥)} [القمر: ٢٥]. وهكذا إذا تتبعنا سيرة الأنبياء مع قومهم.

القول الثاني: الذي قيل له: هو إخلاص العبادة لله وهذا أصل في كل شريعة.

والمعنى: أي ما يقال لك من إخلاص العبادة لله إلا ما قد أوحى إلى من قبلك، ولا خلاف بين الشرائع فيما يتعلق بالتوحيد وهو كقوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ


(١) الطبري (٢٤/ ١٢٥ - ١٢٦)، والنكت والعيون (٥/ ١٨٦)، والبغوي (٤/ ١١٦) والكشاف (٤/ ٢٠٢)، والمحرر الوجيز (٥/ ١٩)، وزاد المسير (٧/ ٢٦٣)، والرازي (٢٧/ ١٢٣).
(٢) أخرجه عبد الرزاق (٢٧٢٠) من طريق معمر عنه، وأخرجه الطبري (١٢/ ١٢٦) من طريق سعيد، وذكره ابن أبي حاتم (١٨٤٦١)، وهو صحيح الإسناد إلى عبد الرزاق.
(٣) الطبري (١٢/ ١٢٦) من طريق أسباط عنه.
(٤) قاله ابن الجوزي في زاد المسير (٧/ ٢٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>