للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٦]، قال: إن يوم القيامة يوم له حالات وتارات في حال لا ينطقون، وفي حال ينطقون، وفي حال يعتذرون، لا أحدثكم إلا ما حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان يوم القيامة ينزل الجبار في ظلل من الغمام، وكل أمة جاثية في ثلاثة حجب مسيرة كل حجاب خمسون ألف سنة، حجاب من نور، وحجاب من ظلمة، وحجاب من ماء، لا يرى لذلك فيأمر بذلك الماء فيعود في تلك الظلمة، ولا تسمع نفس ذلك القول إلا ذهبت فعند ذلك لا ينطقون".

قلت: وقد جمع الإمام القرطبي صاحب التذكرة في هذا الوجه كلامًا جيدًا فقال تحت باب بعنوان الجمع بين آيات وردت في الكتاب في الحشر ظاهرها التعارض.

منها قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} [يونس: ٤٥]، وقال تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} [الإسراء: ٩٧]، وفي آية ثالثة إنهم يقولون: {يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس: ٥٢]، وهذا كلام وهو مضاد للبكم والتعارف تخاطب وهو مضاد للصم والبكم معًا، وقال الله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦)} [الأعراف: ٦]، والسؤال لا يكون إلا بالاسماع وإلا لناطق يتسع للجواب، وقال: {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} [طه: ١٠٢]، وقال: {فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس: ٥١]، وقال: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣)} [المعارج: ٤٣]، والنسلان والإسراع مخالفان للحشر على الوجوه.

والجواب: لمن سأل عن هذا الباب أن يقال له إن الناس إذا أحيوا وبعثوا من قبورهم فليست حالهم حالة واحدة ولا موقفهم ولا مقامهم واحدا ولكن لهم مواقف وأحوال واختلفت الأخبار عنهم لاختلاف مواقفهم وأحوالهم وجملة ذلك أنها خمسة أحوال: الأولى: حال البعث من القبور. والثانية: حال السوق إلى مواضع الحساب. والثالثة: حال المحاسبة. والرابعة: حال السوق إلى دار الجزاء. والخامسة: حال مقامهم في الدار التي يستقرون فيها.

فأما حال البعث من القبور: فإن الكفار يكونون كاملي الحواس والجوارح لقول الله تعالى: {يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} [يونس: ٤٥]، وقوله: {يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>