نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: ٢٥]. ومَن كان ربًا خالقًا، رازقًا، مالكًا، متصرفًا، محييًا، مميتًا، موصوفًا بكل صفات الكمال، ومنزهًا من كلّ نقص، بيده كل شيء، وَجَبَ أَن يكون إِلهًا واحدًا لا شريك له، ولا تُصْرَف العبادة إِلا إليه، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: ٥٦]، وتوحيد الربوبية من مقتضيات توحيد الأُلوهية؛ لأنَّ المشركين لم يَعبدوا إِلهًا واحدًا، وإنَّما عَبَدُوا آلهة مُتَعَددَة، وزعموا أَنَّها تقرِّبهم إِلى الله زلفى، وهم مع ذلك معترفون بأَنها لا تضر ولا تنفع، لذلك لم يجعلهم الله مؤمنين رغم اعترافهم بتوحيد الربوبية، بل جعلهم في عداد الكافرين بإشراكهم غيره في العبادة. ومن هنا يختلف مُعْتَقَدُ السَّلف -أَهل السُنَّة والجماعة- عن غيرهم في الألوهية؛ فلا يعنون كما يعني البعض أَنَ معنى التوحيد أنَّه لا خالق إِلا الله فحسب؛ بل إِن توحيد الألوهية عندهم لَا يتحقق إِلا بوجود أَصلين:
الأول: أَن تُصرف جميع أَنواع العبادة له -سبحانه- دون ما سواه، ولا يُعْطى المخلوق شيئًا من حقوق الخالق وخصائصه. فلا يُعبد إِلا الله، ولا يصلى لغير الله، ولا يُسْجَدُ لغير الله، ولا يُنْذَرُ لغير الله، ولا يُتَوكَّلُ على غير الله، وإن توحيد الأُلوهية يقتضي إِفراد الله وحده بالعبادة.
والعبادة: إِما قول القلب واللسان وإمَّا عمل القلب والجوارح.
الثاني: أَنْ تكون العبادة موافقة لما أمر الله تعالى به، وأَمر رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
فتوحيد الله سبحانه بالعبادة والخضوع والطاعة هو تحقيق شهادة أَن لا إِلَهَ إِلَّا الله، ومتابعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والإِذعان لما أَمر به ونهى عنه هو تحقيق أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}[النساء: ٣٦].
وعلى هذا فالقسم الأخير يستلزمه القسمين الأولين ويتضمنهما؛ لأن الألوهية التي