للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى عُمُومهَا، وَالمُرَاد مِنْهُ جُمْلَة الْقَرْن، وَلَا يَلْزَم مِنْهُ تَفْضِيل الصَّحَابِيّ عَلَى الأنبِيَاء صَلَوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِمْ، وَلَا أَفْرَاد النِّسَاء عَلَى مَرْيَم وَآسِيَة وَغَيْرهمَا، بَلْ المُرَاد جُمْلَة الْقَرْن بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلّ قَرْن بِجُمْلَتِهِ، والصحيح أن قرنه - صلى الله عليه وسلم - الصحابة، والثاني: التابعون، والثالث: تابعوهم (١).

وعن عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - "خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" قَالَ عِمْرَانُ: لَا أَدْرِي أَذَكَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدُ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمُنونَ، ويشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وينْذِرُونَ وَلَا يَفُونَ، ويَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ" (٢).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - "خيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ -وَالله أَعْلَمُ أَذَكَرَ الثَّالِثَ أَمْ لَا- قَالَ: "ثُمَّ يَخْلُفُ قَوْمٌ يُحِبُّونَ السَّمَانَةَ، يَشْهَدُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا (٣).

قَولهُ: "وَلَا يُؤْتمَنُونَ" أَيْ: لَا يَثقُ النَّاسُ بِهِمْ وَلَا يَعْتَقِدُونَهُمْ أُمَنَاءَ بِأَنْ تَكُونَ خِيَانَتُهُمْ ظَاهِرَةً بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لِلنَّاسِ اِعْتِمادٌ عَلَيْهِمْ، قَوْلهُ: "وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ" يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ المُرَاد التَّحَمُّلَ بِدُونِ التَّحْمِيلِ، أَوْ الْأَدَاءَ بِدُونِ طَلَبٍ، ويُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيثِ زيد بْن خَالِد مَرْفُوعًا: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا (٤) ".

وحاصل الحديثين أَنَّ حديث اِبْن مَسْعُود (الشَّهَادَة فِي حُقُوقِ الآدَمِيِّينَ)، وَالمُرَادُ بِحَدِيثِ زَيْدِ بْن خَالِد الشَّهَادَةُ فِي حُقُوقِ الله (٥).

وَقَولهُ: "وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ" أَيْ: يُحِبُّونَ التَّوَسُّعَ فِي المآكِل وَالمشَارِب وَهِيَ أَسْبَابُ السِّمَنِ بِالتَّشْدِيدِ. قَالَ اِبْن التِّينِ: المُرَادُ ذَمّ محَبَتِهِ وَتَعَاطِيه لَا مِنْ تَخَلَّقَ بِذَلِكَ وَقِيلَ: المُرَادُ يَظْهَرُ فِيهِمْ كَثْرَة المالِ. وَقِيلَ: المُرَاد أَنَّهُمْ يَتَسَمَّنُونَ أَيْ: يَتكَثَّرُونَ بِمَا لَيْسَ فِيهِمْ، وَيَدَّعُونَ مَا لَيْسَ لَهُمْ مِنْ الشَّرَفِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ ذَلِكَ مرَادًا، وَإِنَّمَا كَانَ مَذْمُومًا؛ لِأَنَّ السَّمِينَ


(١) شرح النووي (٨/ ٣٢٧، ٣٢٨).
(٢) أخرجه البخاري (٢٦٥١).
(٣) أخرجه مسلم (٢٥٣٤).
(٤) أخرجه مسلم (١٧١٩).
(٥) فتح الباري (٥/ ٣٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>