وإذا جاوزت هذا التبرير وما فيه من تعسف وشطط بعيدين غريبين فإنك تجد أن الصورة التي رسمها القرار للألوهية ينقصها الوجه الثالث من وجوه التثليث وهو الروح القدس فالإيمان الذي يبشر به هذا القرار هو الإيمان بالأب والابن فقط، أما الروح القدس فهو ما دخل في تجسد الابن من مريم العذراء وهو في هذا الموضع قد يكون ملاك الرب أو جبريل أو كلمة الله أو الابن.
ونستطيع أن نتخذ من هذا القرار وثيقة تاريخية محققة للقول بأن التثليث المسيحي لم يكن معروفًا إلى سنة ٣٢٥ من ميلاد المسيح ولم يعترف المؤتمر المنعقد في هذا العام بغير الأب والابن.
كما نستطيع أن نقرر أيضًا أنه إلى ذلك الحين لم يكن المسيح قد دخل ببنوته في شركة مع الله على هذا النحو الذي يجعل منه الله مندمجًا في أقنومية الآب والروح القدلصي. وغاية ما كان يتصور في هذه البنوة أنها فرع عن أصل وأنها إن دلت على الإله فلن تكون هي الإله.
وفي هذا القرار إعلان صريح عن الله الآب أنه خالق للسماوات والأرض، أما الابن فلم يكن له في خلق السماوات والأرض أي دخل.
ولكن المسيحية بعد هذا تدين بأن الله الآب لم يخلق شيئًا وإنما المسيح الابن هو الذي خلق كل شيء. فأقنوم الابن هو القائم بعملية الخلق كما انتهى إلى ذلك معتقد المسيحية بيد أن المسيحية إلى ما بعد منتصف القرن الرابع لم تكن قد استكملت حقيقتها فما زال موقف المسيح متأرجحًا مضطربًا بين الإله والإنسان. وإن الأمر ليحتاج إلى خطوة أو خطوات أخرى لسد هذه الفجوة العميقة التي تتذبذب فيها شخصية المسيح متأرجحة مضطربة بين الإله والإنسان. وليس يقوم لهذا الأمر إلا مجمع مقدس يسوي ألوان هذه الصورة المهزوزة ويحدد ملامحها وهذا ما قد كان فعلًا؟ . ثم سار خلاف جديد حول الروح القدس؛ فقال بعضهم: هو إله، وقال آخرون: ليس بإله! ففي سنة ٣٨١ م، أمر الملك تاودسيوس الكبير بعقد مجمع مقدس في مدينة القسطنطينية للنظر في مقولة مقدونيوس بطريرك القسطنظينية التي كان ينادي بها في محيط كنيسته ويذيعها في أتباعه وهي أن الروح