للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدليل الثاني: أمر الله تعالى بالرجوع عند التنازع الاختلاف إلى القرآن الكريم والسنة فقد قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩] أي: القرآن والسنة، وهذا يعني أن الرجوع إليهما يرفع النزاع، ويقطع الخلاف، وهذا لا يتحقق إلا إذا كانا لا اختلاف فيهما، ولا تعارض، إذ لو كان فيهما اختلاف وتعارض؛ لم يحصل بالرجوع إليهما رفع النزاع.

الدليل الثالث: إذا أثبت الشارع حكمًا بدليل يعارضه دليل آخر يقضي خلافه؛ دل ذلك على العجز عن إثباته بدليل سالم عن المعارضة، والله تعالى منزه عن العجز.

الدليل الرابع: إذا وقع التعارض بين دليلين شرعيين في الواقع، وفي نفس الأمر، كأن دل أحدهما على وجوب شيء، ودل الآخر على تحريمه؛ أدى ذلك إلى ثلاثة أمور كلها باطلة:

أولها: العبث، وذلك إذا لم يقصد الشارع بالدليلين تشريع الحكم الذي تضمنه كل منهما، والله تعالى منزه عن العبث.

ثانيها: التكليف بما لا يطاق، وذلك إذا قصد الشارع بهما تشريع الحكم؛ إذ إن إيجاب شيء واحد، وتحريمه بعينه على شخص واحد، في وقت واحد؛ تكليف للشخص بما ليس في وسعه، وقد قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦].

ثالثها: صدور الأمر بالشيء، والنهي عنه في وقت واحد من الشارع، وهذا باطل أيضًا؛ لأنه تناقض يتنزه عنه الشارع الحكيم، وما أدى إلى الباطل؛ فهو باطل، فالقول بتعارض الأدلة حقيقةً، وفي نفس الواقع باطل.

الدليل الخامس: لَوْ وَقَعَ التعارض بين الدليلين؛ فَإِمَّا أَنْ يَعْمَلَ بِهِما -وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ المُتنَافِيَيْنِ- أَوْ لا يُعْمَلُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ فَيَكُونُ وَضْعُهُمَا عَبَثًا -وَهُوَ مُحَالٌ عَلَى الله تَعَالَى- أَو يُعْمَلُ بِأَحَدِهِمَا عَلَى التَّعْيِينِ -وَهُوَ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ- أَوْ لا عَلَى التَّعْيِينِ، بَلْ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ المُبَاحِ وَغَيرهِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ أَمَارَةِ الإِبَاحَةِ بِعَيْنِهَا؛ لأَنَّهُ لمَّا جَازَ لَهُ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ؛ كَانَ هَذَا مَعْنَى الِإباحَةِ، فَيَكُونُ تَرْجِيحًا لإِحْدَى الأَمَارَتَيْنِ بِعَيْنِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>