للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكان الصحابة والتابعون وتابعوهم وأئمة الإسلام كلهم قد قفوا ما ليس لهم به علم.

٤ - ومنها قوله سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النحل: ٤٣)، فأمر من لم يعلم أن يسأل أهل الذكر - وهم أولو الكتاب والعلم -، ولولا أن أخبارهم تفيد العلم لم يأمر بسؤال من لا يفيد خبره علما، وهو سبحانه لم يقل سلوا عدد التواتر، بل أمر بسؤال أهل الذكر مطلقا، فلو كان واحد لكان سؤاله وجوابه كافيًا.

٥ - وقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (المائدة: ٦٧).

وقول النبي: - صلى الله عليه وسلم - "بلغوا عني" وقال لأصحابه في الجمع الأعظم يوم عرفة: "أنتم مسؤلون عني، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت" ومعلوم أن البلاغ هو الذي تقوم به الحجة على المبلغ، ويحصل به العلم، فلو كان خبر الواحد لا يحصل به العلم؛ لم يقع به التبليغ الذي تقوم به حجة الله على العبد، فإن الحجة إنما تقوم بما يحصل به العلم. (١)

فأمر - صلى الله عليه وسلم - بتبلغ الدين للناس كافة وقام بذلك خير قيام، ولو كان خبر الواحد لا تقوم به الحجة؛ لتعذر وصول الشريعة إلى كافة الناس، ولما حصل البلاغ، ومعلوم أن التبليغ باق إلى يوم القيامة، والحجة قائمة على العباد.

٦ - قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (١٨٧)} (آل عمران: ١٨٧).

ووجه الاستدلال: (أخبر الله تعالى أنه أخذ الميثاق والعهد من الذين أوتوا الكتاب ليبينوه للناس، ولا يكتموه عنهم فكان هذا أمرًا بالبيان لكل واحد منهم، ونهيًا له عن الكتمان؛ لأنهم إنما يكلفون بما في وسعهم، وليس في وسعهم أن يجتمعوا ذاهبين إلى كل


(١) مختصر الصواعق المرسلة (٥٤٣ - ٥٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>