وأما التكلم بإزالة التهمة عن الأم، لا يفيد إزالة التهمة عن الله تعالى، فكان الاشتغال بذلك أولى، فهذا مجموع ما في هذا اللفظ من الفوائد.
واعلم أن مذهب النصارى متخبط جدًّا، وقد اتفقوا على أنه سبحانه ليس بجسم ولا متحيز، ومع ذلك فإنا نذكر تقسيمًا حاصرًا يبطل مذهبهم على جميع الوجوه فنقول:
١ - إما أن يعتقدوا كونه متحيزًا أو لا.
٢ - فإن اعتقدوا كونه متحيزًا في مكان، أبطلنا قولهم بإقامة الدلالة على حدوث الأجسام المتحيزة في الأمكنة، وحينئذ يبطل كل ما فرعوا عليه.
٣ - وإن اعتقدوا أنه ليس بمتحيز، يبطل ما يقوله بعضهم من أن الكلمة اختلطت بالناسوت اختلاط الماء بالخمر وامتزاج النار بالفحم؛ لأن ذلك لا يعقل إلا في الأجسام المتحيزة فإذا لم يكن جسمًا استحال ذلك.
ثم نقول للناس قولان في الإنسان:
١ - منهم من قال: إنه هو هذه البنية أو جسم موجود في داخلها.
٢ - ومنهم من يقول: إنه جوهر مجرد عن الجسمية والحلول في الأجسام فنقول لهؤلاء النصارى:
١ - إما أن يعتقدوا أن الله، أو صفة من صفاته اتحد ببدن المسيح أو بنفسه.
٢ - أو يعتقدوا أن الله، أو صفة من صفاته حل في بدن المسيح أو في نفسه.
٣ - أو يقولوا: لا نقول بالاتحاد ولا بالحلول، ولكن نقول: إنه تعالى أعطاه القدرة على خلق الأجسام والحياة والقدرة وكان لهذا السبب إلهًا.
٤ - أو لا يقولوا بشيء من ذلك ولكن قالوا: إنه على سبيل التشريف اتخذه ابنًا كما اتخذ إبراهيم على سبيل التشريف خليلًا، فهذه هي الوجوه المعقولة في هذا الباب، والكل باطل.
أما القول الأول بالاتحاد فهو باطل قطعًا، لأن الشيئين إذا اتحدا فهما حال الاتحاد، إما أن يكونا موجودين أو معدومين أو يكون أحدهما موجودًا والآخر معدومًا.
١ - فإن كانا موجودين فهما اثنان لا واحد فالاتحاد باطل.