ثم قال الرازي رحمه الله: ولنا في إبطال قول النصارى وجوه أخر.
أحدها: أنهم وافقونا على أن ذاته سبحانه وتعالى لم تحل في ناسوت عيسى عليه السلام بل قالوا الكلمة حلت فيه، والمراد من الكلمة العلم. فنقول: العلم لما حل في عيسى ففي تلك الحالة إما أن يقال إنه بقي في ذات الله تعالى أو ما بقي فيها.
١ - فإن كان الأول لزم حصول الصفة الواحدة في محلين. وذلك غير معقول، ولأنه لو جاز أن يقال العلم الحاصل في ذات عيسى عليه السلام هو العلم الحاصل في ذات الله تعالى بعينه، فلم لا يجوز في حق كل واحد ذلك حتى يكون العلم الحاصل لكل واحد هو العلم الحاصل لذات الله تعالى.
٢ - وإن كان الثاني لزم أن يقال: إن الله تعالى لم يبق عالمًا بعد حلول علمه في عيسى عليه السلام وذلك مما لا يقوله عاقل.
وثانيها: أنا نقول دلالة أحوال عيسى على العبودية أقوى من دلالتها على الربوبية لأنه كان مجتهدًا في العبادة والعبادة لا تليق إلا بالعبيد فإنه كان في نهاية البعد عن الدنيا والاحتراز عن أهلها حتى قالت النصارى: إن اليهود قتلوه ومن كان في الضعف هكذا فكيف تليق به الربوبية.
وثالثها: المسيح إما أن يكون قديمًا أو محدثًا والقول بقدمه باطل لأنا نعلم بالضرورة أنه ولد وكان طفلًا ثم صار شابًا وكان يأكل ويشرب ويعرض له ما يعرض لسائر البشر، وإن كان محدثًا كان مخلوقًا ولا معنى للعبودية إلا ذلك، فإن قيل: المعنى بإلهيته أنه حلت صفة الآلهية فيه، قلنا: هب أنه كان كذلك لكن الحال هو صفة الإله والمسيح هو المحل والمحل محدث مخلوق فما هو المسيح {إِلَّا} عبد محدث فكيف يمكن وصفه بالإلهية.
أما الاحتمال الثالث: وهو أن يقال معنى كونه إلهًا أنه سبحانه خص نفسه أو بدنه