للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ وُلُوغ الْكَلْب الْأَبْيَض. (١)

قَالَ الْقَاضِي أبو لَيْلَى: فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ إِنَّهُ شَيْطَانٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنْ الْكَلْبِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْإِبِل إِنَّهَا جِنٌّ وَهِيَ مَوْلُودَةٌ مِنْ النُّوقِ فَالجَوَابُ أَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ التَّشْبِيهِ لَهُمَا بِالشَّيْطًانِ وَالجنِّ؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ شَرُّ الْكِلَابِ وَأَقَلُّهَا نَفْعًا. وَالْإِبِلُ شِبْهُ الجنِّ فِي صُعُوبَتِهَا وَصَوْلَتِهَا، وَجَعَلَ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ شَيْطَانًا لِخَبَثِهِ، فَإِنَّهُ أَضَرُّ الْكِلَابِ وَأَعْقَرُهَا، وَالْكَلْبُ أَسْرَعُ إِلَيْهِ مِنْهُ إِلَى جَمِيعِهَا، وَهِيَ مَعَ هَذَا أَقَلُّهَا نَفْعًا وَأَسْوَءُهَا حِرَاسَةً وَأَبْعَدُهَا مِنْ الصَّيْدِ وَأَكْثَرُهَا نُعَاسًا. (٢)

قال ابن القيم: وَأَمَّا قَوْلُهُ: "وَفَرَّقَ بَيْنَ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ وَغَيْرهِ فِي قَطْعِ الصَّلَاةِ" فَهَذَا سُؤَالٌ أَوْرَدَهُ عَبْدُ الله بْنُ الصَّامِتِ عَلَى أَبِي ذَرٍّ، وَأَوْرَدَهُ أَبُو ذَرٍّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَجَابَ عَنْهُ بِالْفَرْقِ الْبَيِّن فَقَالَ: "الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ"، وَهَذَا إنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَظْهَرُ فِي صُورَةِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ كَثِيرًا كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فَظَاهِرٌ، وَلَيْسَ بِمُسْتَنْكَرٍ أَنْ يَكُونَ مُرُورُ عَدُوِّ الله بَيْنَ يَدَيْ المُصَلِّي قَاطِعًا لِصَلَاتِهِ، وَيَكُونَ مُرُورُهُ قَدْ جَعَلَ تِلْكَ الصَّلَاةَ بَغِيضَةً إلَى الله مَكْرُوهَةً لَهُ، فَيَأْمُرُ المصَلِّيَ بِأَنْ يَسْتَأْنِفَهَا، وَإِنْ كَانَ المَرَادُ بِهِ أَنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ شَيْطَانُ الْكِلَابِ فَإِنَّ كُلَّ جِنْسٍ مِنْ أَجْنَاسِ الحَيَوَانَاتِ فِيهَا شَيَاطِينُ، وَهِيَ مَاعَتَا مِنْهَا وَتَمَرَّدَ، كَمَا أَنَّ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ عُتَاتُهُمْ وَمُتَمَرِّدُوهُمْ، وَالْإِبِلَ شَيَاطِينُ الأَنْعَامِ، وَعَلَى ذُرْوَةِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ؛ فَيَكُونُ مُرُورُ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْكِلَابِ - وَهُوَ مِنْ أَخْبَثِهَا وَشَرِّهَا - مُبْغِضًا لِتِلْكَ الصَّلَاةِ إلَى الله تَعَالَى؛ فَيَجِبُ عَلَى المصَلِّي أَنْ يَسْتَأْنِفَهَا، وَكَيْفَ يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَقْطَعَ مُرُورُ الْعَدُوِّ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَبَيْنَ وَليِّهِ حُكْمَ مُنَاجَاتِهِ لَهُ، كَمَا قَطَعَهَا كَلِمَةٌ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ أَوْ قَهْقَهَةٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ ألقَى عَلَيْهِ الْغَيْرُ نَجَاسَةً أَوْ نَوَّمَهُ الشَّيْطَانُ فِيهَا (٣).


(١) شرح النووي ٥/ ٥٠٨: ٥٠٧، فيض القدير ٥/ ٦٤.
(٢) تحفة الأحوذي ٥/ ٥٣، التمهيد ١٤/ ٢٢٩، فيض القدير ٥/ ٦٤.
(٣) إعلام الموقعين عن رب العالمين ٢/ ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>