للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الملا القاري: يبيت على خيشومه: يعني: أن الشيطان إذا لم يمكنه الوسوسة عند النوم لزوال الإحساس، يبيت على أقصى أنفه؛ ليلقي في دماغه الرؤيا الفاسدة، ويمنعه عن الرؤيا الصالحة؛ لأن محله الدماغ فأمر - صلى الله عليه وسلم - أن يغسلوا داخل أنوفهم لإزالة لوث الشيطان ونتنه منها. (١)

قال التوربشتي والقاضي: إذا نام الإنسان تجتمع الأخلاط وييبس عليه المخاط، ويكل الحس، ويتشوش الفكر، فيرى أضغاث أحلام، فإذا قام وترك الخيشوم بحاله استمر الكسل والكلال، واستعصى عليه النظر الصحيح، وعسر الخضوع والقيام بحقوق الصلاة.

ثم قال التوربشتي: ما ذكره من طريق الاحتمال وحق الأدب في الكلمات النبوية أن لا يتكلم في هذا الحديث وأمثاله بشيء؛ فإن الله سبحانه قد خصه بغرائب المعاني وحقائق الأشياء ما يقصر عنه باعُ غيره، وجاء الأمر بكظم الفم في التثاؤب من أجل دخول الشيطان في الفم، ويحتمل أن تكون على الاستعارة؛ فإنه إنما ينعقد من الغبار ورطوبة الخياشيم قذر يوافق الشياطين (٢).

وقال ابن تيمية: لما جاءت السنة بتجنب الخبائث الجسمانية والتطهر منها كذلك، جاءت بتجنب الخبائث الروحانية والتطهر منها، حتى قال: إذا قام أحدكم من الليل فليستنشق بمنخريه من الماء فإن الشيطان يبيت على خيشومه (٣).

وقال أيضًا: وأما الحكمة في غسل اليد ففيها ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه خوف نجاسة تكون على اليد مثل مرور يده موضع الاستجمار مع العرق أو على زبلة ونحو ذلك. والثاني: أنه تعبد ولا يعقل معناه. والثالث: أنه من مبيت يده ملامسة للشيطان كما في الصحيحين عن أبى هريرة؛ وذكر الحديث الذي معنا (٤).

ومثل هذه الأقوال نقولها في الاستنثار بعد النوم.


(١) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح؛ كتاب الطهارة" باب سنن الوضوء.
(٢) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (٢/ ٣١٦).
(٣) مجموع الفتاوى (٢١/ ١٢).
(٤) الفتاوى الكبرى (١/ ٢١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>