للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن حجر: وَقَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْض النَّاس فَقَالَ: كَيْف تَعْمَل الْعَيْن مِنْ بُعْد حَتَّى يَحْصُل الضَّرَر لِلْمَعْيُون؟

وَالجَوَاب: أَنَّ طَبَائِع النَّاس تَخْتَلِف، فَقَدْ يَكُون ذَلِكَ مِنْ سُمّ يَصِل مِنْ عَيْن الْعَائِن فِي الْهَوَاء إِلَى بَدَن المُعْيُون؛ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْض مَنْ كَانَ مِعْيَانًا أنَّهُ قَالَ: إِذَا رَأَيْت شَيْئًا يُعْجِبنِي وَجَدْت حَرَارَة تَخْرُج مِنْ عَيْنِي. وَيَقْرَب ذَلِكَ بِالمرْأَةِ الحائِض تَضَع يَدهَا فِي إِنَاء اللَّبَن فَيَفْسُد، وَلَوْ وَضَعَتْهَا بَعْد طُهْرهَا لَمْ يُفْسِد، وَكَذَا تَدْخُل الْبُسْتَان فَتَضُرّ بِكَثِيرٍ مِن الْغُرُوس مِنْ غَيْر أَنْ تَمَسّهَا يَدهَا، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الصَّحِيح قَدْ يَنْظُر إِلَى الْعَيْن الرَّمْدَاء فَيَرْمَد، وَيَتَثَاءَب وَاحِد بِحَضْرَتِهِ فَيَتَثَاءَب هُوَ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ اِبْن بَطَّال. (١)

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِي الحَدِيث أَنَّ لِلْعَيْنِ تَأْثِيرًا فِي النُّفوس، وَإِبْطَال قَوْل الطَّبائِعيِّينَ أنَّهُ لَا شَيْء إِلَّا مَا تُدْرِك الحوَاسّ الْخَمْس وَمَا عَدَا ذَلِكَ لَا حَقِيقَة لَهُ. وَقَالَ المازِرِيّ: زَعَمَ بَعْض الطَّبَائِعِيِّينَ أَنَّ الْعَائِن يَنْبَعِث مِنْ عَيْنه قُوَّة سمِّيَّة تَتَّصِل بِالمُعِينِ فَيَهْلِك أَوْ يَفْسُد، وَهُوَ كَإِصَابَةِ السُّمّ مَنْ نَظَر الْأَفاعِي، وَأَشَارَ إِلَى مَنْع الحصْر فِي ذَلِكَ مَعَ تَجْوِيزه، وَأَنَّ الَّذِي يَتَمَشَّى عَلَى طَرِيقَة أَهْل السُّنَّة أَنَّ الْعَيْن إِنَّمَا تَضُرّ عِنْد نَظَر الْعَائِن بِعَادَةٍ أَجْرَاهَا الله تَعَالَى أَنْ يَحْدُث الضَّرَر عِنْد مُقَابَلَة شَخْص لِآخَر، وَهَلْ ثَمَّ جَوَاهِر خَفِيَّة أَوْ لَا؟ هُوَ أَمْر محُتمَل لَا يُقْطَع بِإِثْبَاتِهِ وَلَا نَفْيِهِ، حتى إنَّ جِنْسًا مِن الْأَفاعِي اُشْتُهِرَ أَنَّهَا إِذَا وَقَعَ بَصَرهَا عَلَى الْإِنْسَان هَلَكَ فَكَذَلِكَ الْعَائِن. وَالحَاصِل أَنَّ التَّأْثِير بإِرَادَةِ الله تَعَالَى وَخَلْقه ليْسَ مَقْصُورًا عَلَى الاتِّصَال الجُسْمَانِيّ، بَلْ يَكُون تَارَة بِهِ وَتَارَة بِالمُقَابَلَةِ، وَأُخْرَى بمجرد الرُّؤْيَة وَأُخْرَى بِتَوَجُّهِ الرُّوح، كَالَّذِي يَحْدُث مِن الْأَدْعِيَة وَالرُّقَى وَالِالْتِجَاء إِلَى الله، وَتَارَة يَقَع ذَلِكَ بِالتَّوَهُّمِ وَالتَّخَيُّل، فَالَّذِي يَخْرُج مِنْ عَيْن الْعَائِن سَهْم مَعْنَوِيّ إِنْ صَادَفَ الْبَدَن لَا وِقَايَة لَهُ أثَّرَ فِيهِ، وَإِلَّا لَمْ يَنْفُذ السَّهْم، بَلْ رُبَّما رُدَّ عَلَى صَاحِبه كَالسَّهْمِ الحسِّيّ سَوَاء. (٢)


(١) فتح الباري لابن حجر، (قوله: باب رقية العين) ١٠/ ٢٠٠.
(٢) فتح الباري ١٠/ ٢٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>