للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقدمة الثانية: في بيان أن هذه الحركة لما كانت ممكنة الوجود في نفسها وجب أن لا يكون حصولها في جسد محمد - صلى الله عليه وسلم - ممتنعًا، والذي يدل عليه أنَّا بينَّا بالدلائل القطعية أن الأجسام متماثلة في تمام ماهياتها، فلما صح حصول مثل هذه الحركة في حق بعض الأجسام وجب إمكان حصولها في سائر الأجسام، وذلك يوجب القطع بأن حصول مثل هذه الحركة في جسد محمد - صلى الله عليه وسلم - أمر ممكن الوجود في نفسه.

وإذا ثبت هذا فنقول: ثبت بالدليل أن خالق العالم قادر على كل الممكنات، وثبت أن حصول الحركة البالغة في السرعة إلى هذا الحد في جسد محمد - صلى الله عليه وسلم - ممكن، فوجب كونه تعالى قادرًا عليه وحينئذ يلزم من مجموع هذه المقدمات أن القول بثبوت هذا المعراج أمر ممكن الوجود في نفسه، أقصى ما في الباب أنه يبقى التعجب، إلا أن هذا التعجب غير مخصوص بهذا المقام، بل هو حاصل في جميع المعجزات، فانقلاب العصا ثعبانًا تبلغ سبعين ألف حبل من الحبال والعصي، ثم تعود في الحال عصا صغيرة كما كانت أمر عجيب، وخروج الناقة العظيمة من الجبل الأصم، وإظلال الجبل العظيم في الهواء عجيب، وكذا القول في جميع المعجزات فإن كان مجرد التعجب يوجب الإنكار والدفع، لزم الجزم بفساد القول بإثبات المعجزات وإثبات المعجزات فرع على تسليم أصل النبوة وإن كان مجرد التعجب لا يوجب الإنكار والإبطال فكذا ههنا، فهذا تمام القول في بيان أن القول بالمعراج ممكن غير ممتنع، والله أعلم. (١)

وقال رحمت الله الهندي: أما عقلًا: فلأن خالق العالم قادر على كل الممكنات، وحصول الحركة البالغة في السرعة إلى هذا الحد في جسد محمد - صلى الله عليه وسلم - ممكن، فوجب كونه تعالى قادرًا عليه، وغاية ما في الباب أنه خلاف العادة والمعجزات كلها تكون كذلك. (٢)

وأما عن قولهم: لماذا قال {أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا}؟ لماذا ذكر كلمة (ليلًا) والإسراء لا يكون إلا بالليل؟


(١) تفسير الرازي ٢٠/ ١٤٨.
(٢) إظهار الحق ٤/ ١٠٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>