للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له، ويتناسب معه فإن (المستفتى عليل، والمفتى طبيب، فإن لم يكن ماهرا بطبه وإلا قتله). (١)

(وأول من قام بهذا المنصب الشريف سيد المرسلين، وإمام المتقين وخاتم النبيين، عبد الله ورسوله، وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده، فكان يفتى عن الله بوحيه المبين، وكان كما قال له أحكم الحاكمين {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦)} [ص: ٨٦] فكانت فتاويه -صلى الله عليه وسلم- جوامع الأحكام ومشتملة على فصل الخطاب. (٢)

وأمثلة ذلك كثيرة جدًّا، وكلها تدل على فصاحته -صلى الله عليه وسلم-، وبلاغته، ومنها على سبيل المثال: عندما سئل -صلى الله عليه وسلم- عن طهارة ماء البحر فقال -صلى الله عليه وسلم-: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته" (٣).

فمن فوائد هذا الحديث: أن المفتى إذا سئل عن شيء وعلم أن بالسائل حاجة إلى أمر آخر متعلق بالمسألة، يستحب له أن يذكره له ويعلمه إياه، لأنه -أي السائل- سأل عن ماء البحر فأجيب بمائه وحكم ميتته؛ لأنهم يحتاجون إلى الطعام كالماء، وإذا جهلوا كونه مطهرا فجهالتهم حل ميتته أولى" (٤).

وهذا يدل على سعة الفهم، وبعد النظر، وإدراكه -صلى الله عليه وسلم- لما يحتاج إليه السائل، وليكون ذلك تشريعا للأمة على مر العصور.

كما أن كثرة تكرار هذا السؤال الوارد في الأحاديث -وهو السؤال عن أفضل الأعمال- يبين حرص الصحابة الكرام على معرفة أفضل الأعمال، ليتقربوا بها إلى الله-عز وجل-، ولقد كان الصحابة -رضي الله عنه-أصحاب همم عالية تجعلهم جديرين بأن يقوموا بما يدلهم عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأعمال الفاضلة.


(١) انظر: الفقيه والمتفقه (٢/ ٣٩٤).
(٢) إعلام الموقعين (١/ ٢٠).
(٣) أخرجه أبو داود (١/ ٨٣) والترمذي (١/ ٦٩) وغيرهم، وصححه الألباني.
(٤) البدر المنير (١/ ٣٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>